أخبار حريث ونسبه
  /
  ديافيّة قلف كأنّ خطيبهم ... سراة الضّحى في سلحه يتمطَّق(١)
  قال أبو عمرو: ولم يزل حريث يهجو بني بحتر وبني ثعل من أجل حبّى، فبينا هو ذات يوم بخيبر وقد نزل على رجل من قريش وهو جالس بفنائه ينشد الشعر الَّذي قاله يهجو به بني ثعل وبني بحتر ابني عتود، وبخيبر يومئذ رجل من بني جشم بن أبي حارثة بن جديّ بن تدول بن بحتر يقال له أوفى بن حجر بن أسيد بن حييّ بن ثرملة بن ثرغل بن خيثم بن أبي حارثة عند بني أخت له من قريش، فمرّ أوفى هذا بحريث بن عنّاب وهو ينشد شعرا هجا به بني بحتر، فسمعه أوفى وهو ينشد قوله:
  وإنّ أحقّ الناس طرّا إهانة(٢) ... عتود يباريه فرير وثعلب
  العتود: التيس الهرم. والفرير: ولد الظبية. ويباريه: يفعل فعله. فدنا منه أوفى وقال: إني رجل أصمّ لا أكاد أسمع، فتقرّب إليّ، فقال له: ومن أنت؟ فقال: أنا رجل من قيس، وأنا أهاجي هذا الحيّ من بني ثعل وبني بحتر، وأحبّ / أن أروي ما قيل فيهم من الهجاء، فأدنوه منه، وكانت معه هراوة وقد اشتمل عليها، فلما تمكَّن من ابن عتّاب جمع يديه بالهراوة ثم ضرب بها أنفه فحطمه، وسقط على وجهه ووثب القرشيّ على أوفى فأخذه، فوثب بنو أخته فانتزعوه من القرشيّ، وكاد أن يقع بينهم شرّ، وأفلت أوفى ودوري ابن عتّاب حتى صلح واستوى أنفه، فقال أوفى في ذلك:
  لاقى ابن عنّاب بخيبر ماجدا ... يزع اللئام وينصر الأحسابا
  فضربته بهراوتي فتركته ... كالحلس منعفر الجبين مصابا
  قال: ثم لحق أوفى بقومه، فلمّا كان بعد ذلك بمدّة اتهمه رجل من قريش بأنه سرق عبدا له وباعه بخيبر، فلم يزل القرشيّ يطلبه حتى أخذه وأقام عليه البيّنة، فحبس في سجن المدينة، وجعلت للقرشيّ يده، فبعث ابن عنّاب إلى عشيرته بني نبهان، فأبوا أن يعاونوه، وأقبل عرفاء بني بحتر إلى المدينة يريدون أن يؤدّوا صدقات قومهم فيهم حصن وسلامة ابنا معرّض، وسعد بن عمرو بن لأم، ومنصور بن الوليد بن حارثة، وجبّار بن أنيف، فلقوا القرشيّ وانتسبوا له، وقالوا: نحن نعطيك العوض من عبدك ونرضيك، ولم يزالوا به حتى قبل وخلَّى سبيله، فقال حريث يمدحهم ويهجو قومه الأدنين من بني نبهان:
  لما رأيت العبد نبهان تاركي ... بلمّاعة فيها الحوادث تخطر(٣)
  نصرت بمنصور وبابني معرّض ... وسعد وجبّار بل اللَّه ينصر
  وذو العرش أعطاني المودّة منهم ... وثبّت ساقي بعد ما كدت أعثر
  / إذا ركب الناس الطريق رأيتهم ... لهم خابط أعمى وآخر مبصر
  لكلّ بني عمرو بن غوث(٤) رباعة ... وخيرهم في الشرّ والخير بحتر
(١) التمطق: التذوّق، وهو إلصاق اللسان بالغار الأعلى فيسمع له صوت، وذلك عند استطابة الشيء، والفاء في قوله «في سلحه» بمعنى الباء.
(٢) كذا في ب، س. والَّذي في باقي النسخ: «إلا أهابه».
(٣) اللماعة، الفلاة يلمع فيها السراب.
(٤) الرباعة: السيادة.