أخبار جعفر بن الزبير
  وفاته وكثرة من شيع جنازته
  قال الزبير في رواية الطوسي: حدّثني مصعب بن عثمان وعمي مصعب قالا:
  كان جماعة من قريش منتحين عن المدينة، فصدر عن المدينة بدويّ فسألوه: هل كان للمدينة خبر؟ قال: نعم مات أبو الناس. قالوا: وأنّى ذلك؟ قال: شهده أهل المدينة جميعا؛ وبكي عليه من كلّ دار. فقال القوم: هذا جعفر بن الزبير، فجاءهم الخبر بعد أنّ جعفر بن الزّبير مات.
  شعره في زواج الحجاج ببنت عبد اللَّه بن جعفر:
  أخبرني عمي قال: حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال: حدّثني إبراهيم بن معاوية عن أبي محمد الأنصاريّ، عن عروة بن هشام بن عروة عن أبيه؛ قال:
  لمّا تزوّج الحجّاج وهو أمير المدينة بنت عبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب، أتى رجل سعيد بن المسيّب فذكر له ذلك، فقال: إني لأرجو أن لا يجمع اللَّه بينهما، ولقد دعا داع بذلك فابتهل، وعسى اللَّه، فإن أباها لم يزوّج إلا الدراهم. فلما بلغ ذلك عبد الملك بن مروان أبرد البريد إلى الحجاج، وكتب إليه يغلظ له ويقصّر به، ويذكر تجاوزه قدره، ويقسم باللَّه لئن هو مسّها ليقطعن أحبّ أعضائه إليه، ويأمره بتسويغ أبيها المهر(١)، وبتعجيل فراقها.
  ففعل، فما بقي أحد فيه خير إلا سرّه ذلك.
  وقال جعفر بن الزبير وكان شاعرا في هذه القصة:
  وجدت أمير المؤمنين ابن يوسف ... حميّا من الأمر الذي جئت تنكف(٢)
  ونبّئت أن قد قال لمّا نكحتها ... وجاءت به رسل تخب وتوجف(٣)
  ستعلم أنّي قد أنفت لما جرى ... ومثلك منه عمرك اللَّه يؤنف
  ولولا انتكاس الدهر ما نال مثلها ... رجاؤك إذ لم يرج ذلك يوسف
  أبنت المصفّى ذي الجناحين تبتغي ... لقد رمت خطبا قدره ليس يوصف(٤)
(١) التسويغ: الإعطاء.
(٢) ابن يوسف، أراد بابن يوسف، يعني الحجاج. والحمى: الذي أخذته الحمية، وهي الأنفة والغيرة. ويقال نكف عن الأمر: عدل.
(٣) الخبب والإيجاف: ضربان من السير السريع.
(٤) ذو الجناحين: جعفر بن أبي طالب. كان قد حمل لواء المسلمين في يوم مؤتة بيمينه فقطعت، ثم بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه فقتل وخرّ شهيدا، فيقولون: إنه عوض من يديه جناحين يطير بهما في الجنة. «الإصابة» ١١٦٢.