ذكر خبر مضاض بن عمرو
  له الآن شعب بن عامر فاصطلحوا هناك، وسلَّموا الأمر إلى مضاض؛ فلمّا اجتمع له أمر مكَّة، وصار ملكها دون السّميدع نحر للناس فطبخوا هناك الجزر، فأكلوا، وسمّي ذلك الموضع المطابخ. فيقال: إنّ هذا أوّل بغي بمكة، فقال مضاض بن عمرو في تلك الحرب(١):
  نحن قتلنا سيّد الحيّ عنوة ... فأصبح منها وهو حيران موجع
  - يعني أنّ الحيّ أصبح حيران موجعا -
  وما كان يبغي أن يكون سواؤنا ... بها ملكا حتّى أتانا السّميدع(٢)
  فذاق وبالا حين حاول ملكنا ... وحاول منّا غصّة تتجرّع(٣)
  ونحن عمرنا البيت كنّا ولاته ... نضارب عنه من أتانا وندفع
  / وما كان يبغي ذاك في الناس غيرنا ... ولم يك حيّ قبلنا ثمّ يمنع
  وكنّا ملوكا في الدهور التي مضت ... ورثنا ملوكا لا ترام فتوضع
  انتقام ممن استخف بحق البيت:
  قال عثمان بن ساج في خبره:
  وحدّثني بعض أهل العلم أنّ سيلا جاء فدخل البيت فانهدم، فأعادته جرهم على بناء إبراهيم، بناه لهم رجل منهم يقال له أبو الجدرة واسمه عمر الجارود، وسمّي بنوه الجدرة. قال: ثم استخفّت جرهم بحقّ البيت، وارتكبوا فيه أمورا عظاما، وأحدثوا فيه أحداثا قبيحة، وكان للبيت خزانة، وهي بئر في بطنه، يلقى فيها الحلي والمتاع الذي يهدى له، وهو يومئذ لا سقف عليه، فتواعد عليه خمسة من جرهم أن يسرقوا كلّ ما فيه، فقام على كلّ زاوية من البيت رجل منهم واقتحم الخامس، فجعل اللَّه ø أعلاه أسفله، وسقط منكَّسا فهلك، وفرّ الأربعة الآخرون.
  خبر إساف ونائلة:
  قالوا: ودخل إساف ونائلة(٤) البيت ففجرا فيه، فمسخهما اللَّه حجرين، فأخرجا من البيت. وقيل إنّه لم يفجر بها في البيت، ولكنه قبّلها في البيت.
  وذكر عثمان بن ساج عن أبي الزناد، أنه إساف بن سهيل، وأنها نائلة بنت عمرو بن ذئب. وقال غيره: إنها نائلة بنت ذئب. فأخرجا من الكعبة، ونصبا ليعتبر بهما من رآهما، ويزدجر النّاس عن مثل ما ارتكبا، فلما غلبت خزاعة على مكة ونسي حديثهما، حوّلهما عمرو بن لحيّ بن كلاب بعد ذلك؛ فجعلها تجاه الكعبة يذبح عندهما عند موضع زمزم.
(١) الكلام بعده إلى قوله: «ثم رموا بالجدب من خلفهم» ساقط من ط.
(٢) سواؤنا: لغة في سوانا.
(٣) أ: «يتجرع».
(٤) هما اللذان يزعم العرب أنهما مسخا حجرين فجعلا صنمين يعبدان. وإساف، بفتح الهمزة وكسرها. وكان هذا الصنم على الصفا.
وأما نائلة فكان على المروة. وكان يذبح عليهما تجاه الكعبة.