ذكر أخبار بصبص جارية ابن نفيس وأخبارها
  ألست تبصر من حولي فقلت لها ... غطَّى هواك وما ألقى على بصري
  فقال: امرأته طالق إن لم تكوني تعلمين ما في الأرحام وما تكسب الأنفس غدا، وبأيّ أرض تموت! فغنّته ثم قالت: برح الخفاء(١)، أنا أعلم أنّك تشتهي أن تقبّلني شقّ التّين وأغنّيك هزجا:
  أنا أبصرت بالليل ... غلاما حسن الدّلّ
  كغصن البان قد أص ... - بح مسقيا من الطل
  لم يذكر صانعه، وهو هزج على ما ذكر.
  فقال: أنت نبيّة مرسلة! فغنته ثم قالت: أبا إسحاق، أرأيت أسقط من هؤلاء! يدعونك ويخرجونني إليك ولا يشترون ريحانا بدرهم، أي أبا إسحاق؛ هلمّ درهما نشتري به ريحانا! فوثب وصاح: واحرباه(٢)، أي زانية، أخطأت استك الحفرة(٣)، انقطع واللَّه عنك الوحي الذي كان يوحى إليك! وعطعط القوم بها(٤)، وعلموا أنّ حيلتها لم تنفذ عليه، ثمّ خرجوا فلم يعد إليها، وعاود القوم مجلسهم، فكان أكثر شغلهم فيه حديث مزبّد معها والضّحك منه.
  شعر ابن أبي الزوائد في بصبص:
  وقال هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات: أنشدني الزبير بن بكَّار، قال: أنشدني غرير بن طلحة لابن أبي الزوائد - وهو ابن ذي الزوائد - في بصبص:
  بصبص أنت الشمس مزدانة ... فإن تبذّلت فأنت الهلال
  سبحانك اللَّهمّ ما هكذا ... فيما مضى كان يكون الجمال
  / إذا دعت بالعود في مشهد ... وعاونت يمنى يديها الشّمال
  غنّت غناء يستفزّ الفتى ... حذقا وزان الحذق منها الدلَّال
  قال هارون: قال الزّبير: وأنشدني غرير أيضا لنفسه يهجو مولاها:
  يا ويح بصبص من يحيى(٥) لقد رزقت ... وجها قبيحا وأنفا من جعاميس(٦)
  يمجّ من فيه في فيها إذا هجعت ... ريقا خبيثا كأرواح الكرابيس(٧)
(١) برح، كسمع. وهو مثل لظهور الأمر وانكشافه.
(٢) الحرب: أن يسلب الرجل ماله كله.
(٣) يضرب لمن رام شيئا فلم ينله. «مجمع الأمثال».
(٤) عطعط به: صاح.
(٥) س: «من حي».
(٦) الجعاميس: جمع جعموس، وهو ما يطرحه الإنسان من ذي بطنه.
(٧) أرواح: جمع ريح. والكراييس: جمع كرياس، وهو الكنيف الذي يكون مشرفا على سطح بقناة من الأرض. قال الأزهري: سمي كرياسا لما يعلق به من الأقذار فيركب بعضه بعض ويتكرس مثل الدمن. «اللسان» (كرس) و «معجم استينجاس» ١٠٢٦ و «الحيوان» (٥: ٤٦٨) و «عيون الأخبار» (٣: ٢٣٠).