كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر أخبار بصبص جارية ابن نفيس وأخبارها

صفحة 26 - الجزء 15

  ألست تبصر من حولي فقلت لها ... غطَّى هواك وما ألقى على بصري

  فقال: امرأته طالق إن لم تكوني تعلمين ما في الأرحام وما تكسب الأنفس غدا، وبأيّ أرض تموت! فغنّته ثم قالت: برح الخفاء⁣(⁣١)، أنا أعلم أنّك تشتهي أن تقبّلني شقّ التّين وأغنّيك هزجا:

  أنا أبصرت بالليل ... غلاما حسن الدّلّ

  كغصن البان قد أص ... - بح مسقيا من الطل

  لم يذكر صانعه، وهو هزج على ما ذكر.

  فقال: أنت نبيّة مرسلة! فغنته ثم قالت: أبا إسحاق، أرأيت أسقط من هؤلاء! يدعونك ويخرجونني إليك ولا يشترون ريحانا بدرهم، أي أبا إسحاق؛ هلمّ درهما نشتري به ريحانا! فوثب وصاح: واحرباه⁣(⁣٢)، أي زانية، أخطأت استك الحفرة⁣(⁣٣)، انقطع واللَّه عنك الوحي الذي كان يوحى إليك! وعطعط القوم بها⁣(⁣٤)، وعلموا أنّ حيلتها لم تنفذ عليه، ثمّ خرجوا فلم يعد إليها، وعاود القوم مجلسهم، فكان أكثر شغلهم فيه حديث مزبّد معها والضّحك منه.

  شعر ابن أبي الزوائد في بصبص:

  وقال هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات: أنشدني الزبير بن بكَّار، قال: أنشدني غرير بن طلحة لابن أبي الزوائد - وهو ابن ذي الزوائد - في بصبص:

  بصبص أنت الشمس مزدانة ... فإن تبذّلت فأنت الهلال

  سبحانك اللَّهمّ ما هكذا ... فيما مضى كان يكون الجمال

  / إذا دعت بالعود في مشهد ... وعاونت يمنى يديها الشّمال

  غنّت غناء يستفزّ الفتى ... حذقا وزان الحذق منها الدلَّال

  قال هارون: قال الزّبير: وأنشدني غرير أيضا لنفسه يهجو مولاها:

  يا ويح بصبص من يحيى⁣(⁣٥) لقد رزقت ... وجها قبيحا وأنفا من جعاميس⁣(⁣٦)

  يمجّ من فيه في فيها إذا هجعت ... ريقا خبيثا كأرواح الكرابيس⁣(⁣٧)


(١) برح، كسمع. وهو مثل لظهور الأمر وانكشافه.

(٢) الحرب: أن يسلب الرجل ماله كله.

(٣) يضرب لمن رام شيئا فلم ينله. «مجمع الأمثال».

(٤) عطعط به: صاح.

(٥) س: «من حي».

(٦) الجعاميس: جمع جعموس، وهو ما يطرحه الإنسان من ذي بطنه.

(٧) أرواح: جمع ريح. والكراييس: جمع كرياس، وهو الكنيف الذي يكون مشرفا على سطح بقناة من الأرض. قال الأزهري: سمي كرياسا لما يعلق به من الأقذار فيركب بعضه بعض ويتكرس مثل الدمن. «اللسان» (كرس) و «معجم استينجاس» ١٠٢٦ و «الحيوان» (٥: ٤٦٨) و «عيون الأخبار» (٣: ٢٣٠).