كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر أحيحة بن الجلاح ونسبه وخبره والسبب الذي من أجله قال الشعر

صفحة 31 - الجزء 15

  قتل أحيحة، ففطن أحيحة أنه يريد قتله فخرج من عنده فدخل خباءه، فشرب الخمر، وقرض أبياتا، وأمر القينة أن نغنّيه بها، وجعل تبّع عليه حرسا، وكانت قينته تدعى مليكة فقال:

  يشتاق قلبي إلى مليكة لو ... أمست قريبا ممن يطالبها

  الأبيات. وزاد فيها مما ليس فيه غناء:

  لتبكني قينة ومزهرها ... ولتبكني قهوة وشاربها

  ولتبكني ناقة إذا رحلت ... وغاب في سردح مناكبها⁣(⁣١)

  ولتبكني عصبة إذا جمعت ... لم يعلم الناس ما عواقبها⁣(⁣٢)

  فلم تزل القينة تغنّيه بذلك يومه وعامّة ليلته⁣(⁣٣)؛ فلما نام الحرّاس قال لها: إنّي ذاهب إلى أهلي فشدّي⁣(⁣٤) عليك الخباء، فإذا جاء رسول الملك فقولي له: هو نائم؛ فإذا أبوا إلَّا أن يوقظوني فقولي: قد رجع إلى أهله وأرسلني إلى الملك برسالة. فإن ذهبوا بك إليه فقولي له: يقول لك أحيحة: «اغدر بقينة أو دع». ثم انطلق فتحصّن في أطمه⁣(⁣٥) الضّحيان، وأرسل تبّع من جوف الليل إلى الأزياد فقتلهم على فقارة من فقار⁣(⁣٦) تلك الحرّة. وأرسل إلى أحيحة ليقلته، فخرجت إليهم / القينة، فقالت: هو راقد. فانصرفوا وتردّدوا عليها مرارا؛ كلّ ذلك تقول: هو راقد.

  ثم عادوا فقالوا: لتوقظنّه أو لندخلنّ عليك. قالت: فإنه قد رجع إلى أهله، وأرسلني إلى الملك برسالة. فذهبوا بها إلى الملك، فلما دخلت عليه سألها عنه، فأخبرته خبره، وقالت: يقول لك: «اغدر بقينة أو دع». فذهبت كلمة أحيحة هذه مثلا؛ فجرّد له كتيبة من خيله، ثم أرسلهم في طلبه فوجدوه قد تحصّن في أطسه، فحاصروه ثلاثا؛ يقاتلهم بالنّهار ويرميهم بالنبل والحجارة، ويرمي إليهم بالليل / بالتمر، فلما مضت الثلاث رجعوا إلى تبّع فقالوا:

  بعثتنا⁣(⁣٧) إلى رجل يقاتلنا بالنهار، ويضيفنا بالليل! فتركه؛ وأمرهم أن يحرّقوا نخله. وشبّت الحرب بين أهل المدينة: أوسها وخزرجها ويهودها، وبين تبّع، وتحصّنوا في الآطام. فخرج رجل من أصحاب تبّع حتى جاء بني عديّ بن النجّار؛ وهم متحصّنون في أطمهم، الذي كان في قبلة مسجدهم، فدخل حديقة من حدائقهم، فرقي عذقا منها يجدّها⁣(⁣٨)، فاطَّلع إليه رجل من بني عديّ بن النجار من الأطم يقال له أحمر أو صخر⁣(⁣٩) بن سليمان من بني سلمة، فنزل إليه فضربه بمنجل حتّى قتله ثم ألقاه في بئر! وقال: جاءنا يجدّ نخلنا⁣(⁣١٠)، «إنّما النخل لمن أبره»⁣(⁣١١)، فأرسلها مثلا. فلما انتهى ذلك إلى تبّع زاده حنقا وجرّد إلى بني النجّار جريدة من خيله⁣(⁣١٢)؛ فقاتلهم بنو النجّار


(١) السردح: الأرض اللينة المستوية. ط، ح: «سرنج». والسرنج: الأرض الواسعة.

(٢) ط، مب، مط: «إذا اجتمعت».

(٣) ط، مب، مط: «عامة ليله».

(٤) ما عدا ط، مب، مط: «فسدى» بالسين المهملة.

(٥) الأطم: حصن مبني بحجارة، وهو القصر أيضا.

(٦) هذا ما في ح، مب، مط. وفي ط: «فقرة من فقار»، وهي صحيحة أيضا، مشبهتان بفقار الظهر. وفي سائر النسخ: «قفارة من قفار»، تحريف.

(٧) ما عدا ط، مب، مط: «تبعثنا».

(٨) العذق: النخلة، عند أهل الحجاز. يجدها: يقطع تمرها. ما عدا ط، مب، مط، ح: «يجده»، التذكير للفظ والتأنيث للمعنى.

(٩) ط: «صحر» بالحاء المهملة.

(١٠) ما عدا ط، مب، مط: «نخلتنا».

(١١) الأبر والتأبير: إصلاح النخل وتشذيبه.

(١٢) الجريدة من الخيل: القطعة منها عليها فرسانها.