كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر خبر سلامة الزرقاء ومحمد بن الأشعث

صفحة 47 - الجزء 15

  استقبال سلامة الزرقاء ليزيد بن عون:

  قال هارون: وحدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال. حدّثني أبو عوف الدّوسيّ، عن عبد الرحمن بن مقرّن قال:

  كتبت إلى ابن رامين أستأذنه في إتيانه، فكتب إليّ: «قد سبقك روح بن حاتم، فإن كنت لا تحتشم منه فرح. فرحت، فكنّا كأنّنا فرسا رهان، والتقينا فعانقني وقال لي: أنّى تريد⁣(⁣١)؟ قلت: حيث أردت.

  قال: فالحمد للَّه. فدخلنا فخرجت الزرقاء في إزار ورداء قوهيّين⁣(⁣٢) مورّدين، كأنّ الشمس طالعة من بين رأسها / وكتفيها⁣(⁣٣)، فغنّتنا ساعة ثم جاء الخادم الذي يأذن لها⁣(⁣٤)، وكان الإذن عليها دون مولاها، فقام دون الباب وهي تغنّي، حتّى إذا قطعت نظرت إليه فقالت: من⁣(⁣٥)؟ فقال: يزيد بن عون العباديّ الصّيرفي، الملقّب بالماجن، على الباب. فقالت: أدخله. فلما استقبلها كفّر⁣(⁣٦) ثم أقعى بين يديها. قال: فوجدت واللَّه له⁣(⁣٧) ورأيت أثر ذلك، وتنوّقت تنّوقا⁣(⁣٨) خلاف ما كانت تفعل بنا. فأدخل يده في ثوبه فأخرج لؤلؤتين وقال: انظري يا زرقاء جعلت فداك! ثم حلف أنّه نقد فيهما بالأمس أربعين ألف درهم. فقالت: فما أصنع بذلك؟ قال: أردت أن تعلمي. فغنّت صوتا ثم قالت: يا ماجن هبهما لي ويحك. قال: إن شئت واللَّه فعلت. قالت: قد شئت. قال: واليمين التي حلفت بها لازمة لي إن أخذتهما إلَّا بشفتيك من شفتيّ. قال:

  فذهب روح يتسرّع إليه، فقالت له: ألك في بيت القوم حاجة؟ قال: نعم. فقلت: إنما يتكسّبون مما ترى.

  وقام ابن رامين فقال: ضع لي يا غلام ماء. ثم خرج عنا فقالت: هاتهما. فمشى على ركبتيه وكفّيه وهما بين شفتيه. فقال: هاك. فلمّا ذهبت بشفتيها جعل يصدّ عنها⁣(⁣٩) يمينا وشمالا ليستكثر منها، فغمزت جارية على رأسها فخرجت كأنّها تريد / حاجة، ثم عطفت / عليه، فلمّا دنا منها وذهب ليزوغ دفعت منكبيه وأمسكتهما حتّى أخذت الزّرقاء اللؤلؤتين بشفتيها من فمه، ورشح جبينها حياء منّا. ثم تجلَّدت علينا فأقبلت عليه فقالت له: «المغبون في استه عود» فقال: أمّا أنا فما أبالي، لا يزال طيب هذه الرائحة في أنفي وفمي أبدا ما حييت.

  عبث سعدة بثياب الضيوف:

  قال هارون: وحدّثني ابن النطَّاح عن المدائني، عن علي بن أبي سليمان، عن أبي عبد اللَّه القرشي، عن أبي زاهر بن أبي الصباح، قال:


(١) ما عدا ط: «أين تريد»، وهما سيان.

(٢) القوهي: ضرب من الثياب بيض، منسوبة إلى قوهستان. ما عدا ط، مب، مط: «قهويين» محرّفة.

(٣) ط، مب، مط: «وكعها» ح: «وكفيها». وأثبت ما في سائر النسخ.

(٤) أي الذي يأذن في الدخول عليها. ما عدا ط، ما: «تأذن لي»، محرّف.

(٥) ط، ح، مب، مط: «مه».

(٦) سبق الكلام على التكفير في ص ٥٩. ما عدا ط، مب، مط: «ظفر»، تحريف.

(٧) وجدت: لحقها الوجد به والحب.

(٨) التنوق: التأنق. يقال تنوق في مطعمه وملبسه وتأنق، أي تجوّد. ما عدا ط، مب: «وتبوّقت تبوقا» محرّف.

(٩) الكلام بعده إلى ما قبل: «ما بالمغاني من أحد» مفقود من ط.