كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار حسان وجبلة بن الأيهم

صفحة 112 - الجزء 15

  وذكر ابن الكلبي أنّ الفزاريّ لما وطئ إزار جبلة لطم جبلة كما لطمه، فوثبت غسّان فهشموا أنفه وأتوا به عمر، ثم ذكر باقي الخبر نحو ما ذكرناه.

  قصّة أخر في سبب تنصره:

  وذكر الزبير بن بكَّار فيما أخبرنا به الحرمي بن أبي العلاء عنه أن محمد بن الضحاك حدّثه عن أبيه:

  أن جبلة قدم على عمر ¥ في ألف من أهل بيته فأسلم. قال: وجرى بينه وبين رجل من أهل المدينة كلام، فسبّ المديني⁣(⁣١) فردّ عليه، فلطمه جبلة فلطمه المديني، فوثب عليه أصحابه فقال: دعوه حتّى أسأل صاحبه وأنظر ما عنده. فجاء إلى عمر فأخبره فقال: إنك فعلت به فعلا ففعل بك مثله. قال: أوليس عندك من الأمر إلَّا ما أرى. قال: لا فما الأمر عندك يا جبلة؟ قال: من سبّنا ضربناه، ومن ضربنا قتلناه. قال: إنّما أنزل القرآن بالقصاص. فغضب وخرج بمن معه ودخل أرض الروم فتنصّر، ثم ندم وقال:

  تنصّرت الأشراف من عار لطمة

  / وذكر الأبيات، وزاد فيها بعد:

  ويا ليت لي بالشأم أدنى معيشة ... أجالس قومي ذاهب السمع والبصر

  أدين بما دانوا به من شريعة ... وقد يحبس العود الضّجور على الدّبر⁣(⁣٢)

  دعوة معاوية وعمر جبلة بن الأيهم للرجوع إلى الإسلام:

  وذكر باقي خبره فيما وجّه به إلى حسّان مثله، وزاد فيه:

  أنّ معاوية لما ولي بعث إليه فدعاه إلى الرجوع إلى الإسلام، ووعده إقطاع الغوطة بأسرها، فأبى ولم يقبل.

  ثم إنّ عمر ¥ بدا له أن يكتب إلى هرقل يدعوه إلى اللَّه جلّ وعزّ وإلى الإسلام، ووجّه إليه رجلا من أصحابه، وهو جثّامة بن مساحق الكناني، فلما انتهى إليه الرجل بكتاب عمر أجاب إلى كلّ شيء سوى الإسلام، فلما أراد الرسول الانصراف قال له هرقل: هل رأيت ابن عمّك هذا الذي جاءنا راغبا في ديننا؟ قال: لا. قال:

  فالقه. قال الرجل: فتوجهت إليه فلما انتهيت إلى بابه رأيت من البهجة والحسن والسّرور ما لم أر بباب هرقل مثله، فلما أدخلت عليه إذا هو في بهو عظيم، وفيه من التصاوير ما لا أحسن وصفه، وإذا هو جالس على سرير من قوارير، قوائمه أربعة أسد من ذهب، وإذا هو رجل أصهب سبال وعثنون، وقد أمر بمجلسه فاستقبل به وجه الشمس، فما بين يديه من آنية الذهب والفضّة يلوح، فما رأيت أحسن منه. فلمّا سلمت ردّ السلام ورحّب بي، وألطفني ولا مني على تركي النزول عنده، ثم أقعدني على شيء لم أثبته، فإذا هو كرسيّ من ذهب، فانحدرت عنه فقال: مالك؟ فقلت: إن رسول اللَّه نهى عن هذا. فقال جبلة أيضا مثل قولي / في النبي حين ذكرته، وصلَّى عليه. ثم قال: يا هذا إنّك إذا طهّرت قلبك / لم يضرك ما لبسته ولا ما جلست عليه. ثم سألني عن الناس وألحف في السؤال عن عمر، ثم جعل يفكَّر حتى رأيت الحزن في وجهه، فقلت: ما يمنعك من الرجوع إلى قومك


(١) ما عدا ط، أ، ها: «المدني»، تحريف.

(٢) ط، مط: «بما كانوا». العود، بالفتح: المسن من الإبل. والدبر: قرحة الدابة.