كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب ابن الزبعري وأخباره وقصة غزوة أحد

صفحة 126 - الجزء 15

  الجنة، أو يعجّلني بسيفه إلى النار؟ فقام إليه علي بن أبي طالب # فقال: والذي نفسي بيده لا أفارقك حتّى يعجّلك اللَّه ø بسيفي إلى النار، أو يعجّلني بسيفك إلى الجنّة! فضربه عليّ فقطع رجله فبدت عورته فقال:

  أنشدك اللَّه والرحم يا ابن عمّ. فتركه فكبّر رسول اللَّه ، وقال لعليّ وأصحابه: ما منعك أن تجهز عليه؟ قال: إنّ ابن عمي ناشدني حين انكشفت عورته، فاستحييت منه. ثم شدّ الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود على المشركين فهزماهم، وحمل النبيّ وأصحابه فهزموا أبا سفيان، فلما رأى ذلك خالد بن الوليد وهو على خيل المشركين حمل فرمته الرماة فانقمع⁣(⁣١)، فلما نظر الرماة إلى رسول اللَّه وأصحابه في جوف عسكر المشركين ينتهبونه بادروا الغنيمة فقال بعضهم: لا نترك أمر رسول اللَّه . وانطلق عامّتهم فلحقوا بالعسكر، فلما رأى خالد قلَّة الرماة صاح في خيله، ثم حمل فقتل الرماة، وحمل على أصحاب رسول اللَّه ، فلمّا رأى المشركون أنّ خيلهم تقاتل تبادروا فشدّوا على المسلمين فهزموهم وقتلوهم.

  رجع إلى حديث ابن إسحاق

  فقال رسول اللَّه : من يأخذ هذا السيف بحقّه؟ فقام إليه رجال، فأمسكه بينهم، حتّى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة أخو بني ساعدة فقال: وما حقّه يا رسول اللَّه؟ قال: أن تضرب به في العدوّ حتّى ينحني. فقال: أنا آخذه بحقّه يا رسول اللَّه. فأعطاه إياه. وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب إذا كانت، وكان إذا أعلم على رأسه بعصابة له حمراء علم الناس أنّه سيقاتل، فلما أخذ السيف من يد رسول اللَّه أخذ عصابته تلك فعصب بها رأسه، ثم جعل يتبختر بين الصّفّين.

  قال محمد بن إسحاق: حدّثني جعفر بن عبد اللَّه بن أسلم مولى عمر بن الخطاب ¥، عن رجل / من الأنصار من بني سلمة قال: قال رسول اللَّه حين رأى أبا دجانة يتبختر: إنّها مشية يبغضها اللَّه إلَّا في هذا الموطن. وقد أرسل أبو سفيان رسولا فقال: يا معشر الأوس والخزرج، خلَّوا بيننا وبين ابن عمنا ننصرف عنكم، فإنّه لا حاجة بنا إلى قتالكم. فردّوه بما يكره.

  وعن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة أنّ أبا عامر عمرو بن صيفيّ بن النعمان بن مالك بن أمية، أحد بني ضبيعة وقد خرج إلى مكة مباعدا لرسول اللَّه ومعه خمسون غلاما من الأوس، منهم عثمان بن حنيف - وبعض الناس يقول: كانوا خمسة عشر - فكان يعد قريشا أن لو قد لقي محمدا لم يختلف عليه منهم رجلان. فلما التقى الناس كان أوّل من لقيهم أبو عامر في الأحابيش وعبدان أهل مكة، فنادى: يا معشر الأوس، أنا أبو عامر.

  قالوا: فلا أنعم اللَّه بك عينا يا فاسق. وكان أبو عامر يسمّى في الجاهلية الراهب، فسماه رسول اللَّه / الفاسق.

  فلما سمع ردّهم عليه قال: لقد أصاب قومي بعدي شرّ! ثم قاتلهم قتالا شديدا ثم راضخهم بالحجارة⁣(⁣٢). وقد قال أبو سفيان لأصحاب اللواء من بني عبد الدار يحرّضهم بذلك على القتال، يا بني عبد الدار، إنّكم وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم، وإنّما يؤتى الناس من قبل راياتهم، إذا زالت زالوا، فإمّا أن تكفونا لواءنا، وإمّا أن تخلَّوا بيننا وبينه فسنكفيكموه. فهمّوا به وتوعّدوه وقالوا: نحن نسلم إليك لواءنا؟! ستعلم غدا إذا التقينا كيف نصنع!


(١) انقمع: اختفى.

(٢) المراضخة: المراماة.