كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب ابن الزبعري وأخباره وقصة غزوة أحد

صفحة 127 - الجزء 15

  وذلك الذي أراد أبو سفيان. فلما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض قامت هند بنت عتبة في النّسوة اللواتي معها، وأخذن الدّفوف يضربن خلف الرجال، ويحرضنهم، فقالت هند فيما تقول:

  إن تقبلوا نعانق ... ونفرش النمارق

  أو تدبروا نفارق ... فراق غير وامق

  وتقول:

  إيها بني عبد الدار ... إيها حماة الأدبار⁣(⁣١)

  ضربا بكلّ بتّار

  واقتل الناس حتّى حميت الحرب، وقاتل أبو دجانة حتّى أمعن في الناس، وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب @ في رجال من المسلمين، فأنزل اللَّه نصره، وصدقهم وعده، فحسّوهم بالسّيف⁣(⁣٢) حتى كشفوهم، وكانت الهزيمة.

  / وعن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عبّاد بن عبد اللَّه بن الزبير عن أبيه عن جده قال قال الزبير: واللَّه لقد رأيتني أنظر إلى هند بنت عتبة وصواحبها مشمّرات هوارب، ما دون أخذهنّ قليل ولا كثير، إذ مالت الرّماة إلى الكرّ حتّى كشفنا القوم عنه يريدون النهب، وخلَّوا ظهورنا للخيل، فأتينا من أدبارنا وصرخ صارخ: ألا إنّ محمدا قد قتل.

  فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء، حتّى ما يدنو إليه أحد من القوم.

  وعن محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم أنّ اللوء لم يزل صريعا حتّى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثيّة، فرفعته لقريش فلا ذوابها، وكان اللواء مع صواب غلام لبني أبي طلحة حبشيّ، فكان آخر من أخذه منهم، فقاتل حتّى قطعت يداه، فبرك عليه وأخذ اللواء بصدره وعنقه حتّى قتل / عليه وهو يقول: اللَّهم قد أعذرت! فقال حسّان بن ثابت في قطع يد صواب حين تقاذفوا بالشعر:

  فخرتم باللواء وشرّ فخر ... لواء حين ردّ إلى صواب

  جعلتم فخركم فيها لعبد ... من الأم من وطي عفر التراب

  ظننتم والسّفيه له ظنون ... وما إن ذاك من أمر الصّواب

  بأنّ جلادنا يوم التقينا ... بمكة بيعكم حمر العياب⁣(⁣٣)

  أقرّ العين إن عصبت يداه ... وما أن يعصبان على خضاب

  قال محمد بن جرير: وحدّثنا أبو كريب قال: حدّثنا عثمان بن سعيد قال حدّثنا حبّان بن عليّ⁣(⁣٤) عن محمد بن عبيد اللَّه بن أبي رافع، عن أبيه عن جده قال:


(١) في «السيرة» ٥٦٢ جوتنجن: «ويها» في هذا الوضع وسابقه.

(٢) حسوهم: استأصلوهم قتلا. وفي الكتاب: «إذ تحسونهم بإذنه».

(٣) أي ظننتموه من الهون بمنزلة بيع العياب، والعياب: جمع عيبة، وهي زبيل من أدم، أو ما يجعل فيه الثياب.

(٤) ذكره في «تهذيب التهذيب»، فيمن يقال له «حبّان» بالكسر. ط، مط، مب فقط: «حيان»، تحريف.