رجع الخبر إلى سياقة خبر عمرو
  على المأمون الكتاب اغتمّ به وقال له: ما ترى؟ فقال: لعل هذه علَّة عارضة تزول، وسيرد بعد هذا غيره فيرى حينئذ أمير المؤمنين رأيه. ثم أمسك أياما وكتب كتابا آخر ودسّه في الخرائط، يذكر فيه أنه تناهى في العلَّة إلى ما لا يرجو معه نفسه، فلما قرأه المأمون قلق وقال: يا أحمد، إنه لا مدفع لأمر خراسان فما ترى؟ فقال: هذا رأي إن أشرت فيه بما أرى فلم أصب لم أستقبله، وأمير المؤمنين أعلم بخدمه ومن يصلح بخراسان منهم. قال: فجعل المأمون يسمّي رجالا ويطعن أحمد على واحد واحد منهم، إلى أن قال: فما ترى في الأعور؟ قال: إن كان عند أحد قيام بهذا الأمر ونهوض فيه فعنده. فدعا به المأمون فعقد له على خراسان، وأمره أن يعسكر، فعسكر بباب خراسان. ثم تعقّب الرأي فعلم أنّه قد أخطأ، فتوقّف عن إمضائه وخشي أن يوحش طاهرا بنقضه، فمضى شهر تامّ وطاهر مقيم بمعسكره. ثم إنّ المأمون في السّحر من ليلة أحد وثلاثين يوما من عقده له، عقد اللواء لطاهر ظاهرا، وأمر بإحضار مخارق المغنّي، فأحضر وقد صلَّى المأمون الغداة مع طلوع الفجر، فقال: يا مخارق، أتغني:
  إذا لم تستطع شيئا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع
  وكيف تريد أن تدعى حكيما ... وأنت لكلّ ما تهوى تبوع
  قال: نعم. قال: هاته. فغناه فقال: ما صنعت شيئا، فهل تعرف من يقوله أحسن مما تقوله؟ قال: نعم، علوية الأعسر. فأمر بإحضاره فكأنّه كان وراء السّتر، فأمره أن يغنّيه، فغنّاه واحتفل فقال(١): ما صنعت شيئا أتعرف من يقوله أحسن مما تقوله؟ قال: نعم عمرو بن بانة شيخنا. فأمر بإحضاره فدخل في مقدار / دخول علوية، فأمر بأن يغنيه الصوت، فغناه [فأحسن](٢) فقال: أحسنت ما شئت(٣)، هكذا ينبغي أن يقال ... ثم قال: يا غلام اسقني رطلا واسق صاحبيه رطلا رطلا. ثم دعا له بعشرة آلاف درهم، وخلعة ثلاثة أثواب، ثم أمره بإعادته، فأعاده فردّ القول الذي قاله، وأمر له بمثل ما أمر، حتّى فعل ذلك عشرا، وحصل لعمرو مائة ألف درهم وثلاثون / ثوبا، ودخل المؤذّنون فأذّنوه بالظهر، فعقد(٤) إصبعه الوسطى بإبهامه وقال: «برق يمان، برق يمان». وكذلك كان يفعل إذا أراد أن ينصرف من بحضرته من الجلساء. فقال عمرو: يا أمير المؤمنين، قد أنعمت عليّ وأحسنت إليّ، فإن رأيت أن تأذن لي في مقاسمة أخويّ(٥) ما وصل إليّ فقد حضراه؟ فقال: ما أحسن ما استمحت لهما، بل نعطيهما نحن ولا نلحقهما بك. وأمر لكلّ واحد بمثل [نصف](٦) جائزة عمرو، وبكر إلى طاهر فرحّله، فلما ثنى عنان دابته منصرفا دنا منه حميد الطوسيّ فقال: اطرح على ذنبه ترابا. فقال: اخسأ يا كلب! ونفذ(٧) طاهر لوجهه، وقدم غسّان بن عبّاد فسأله عن علَّته وسببها، فحلف له أنّه لم يكن عليلا، ولا كتب بشيء في هذا. فعلم المأمون أنّ طاهرا احتال عليه بابن أبي خالد، وأمسك على ذلك. فلما كان بعد مدّة من مقدم طاهر إلى خراسان قطع الدعاء للمأمون على المنبر يوم الجمعة، فقال له عون بن مجاشع بن مسعدة صاحب البريد: لم تدع في هذه الجمعة
(١) إلى هنا ينتهي سقط ط الذي بدأ في ص ٢٣٥.
(٢) هذه من ط فقط.
(٣) كذا في ط، ح، أ، ها، مط، مب وفي سائر النسخ «ما غنيت».
(٤) ط، ها، مط، مب: «فنقد».
(٥) ما عدا ط، ها، مط: «إخوتي» تحريف.
(٦) هذه من ط، ها، مب. وفي مط: «لكل واحد بنصف».
(٧) هذا الصواب في ط، ها، مط، مب. وفي سائر النسخ «وبعد».