كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر خبر قس بن ساعدة ونسبه وقصته في هذا الشعر

صفحة 164 - الجزء 15

  قال عيسى بن قدامة الأسديّ، وكان قدم قاسان⁣(⁣١)، وكان له نديمان فماتا، وكان يجيء فيجلس عند القبرين، وهما براوند⁣(⁣٢)، في موضع يقال له خزاق، فيشرب ويصبّ على القبرين حتّى يقضي وطره، ثم ينصرف وينشد وهو يشرب:

  خليليّ هبّا طالما قد رقدتما ... أجدّكما لا تقضيان كراكما

  / ألم تعلما مالي براوند هذه ... ولا بخزاق من نديم سواكما

  مقيم على قبريكما لست بارحا ... طوال الليالي أو يجيب صداكما

  جرى الموت مجرى اللحم والعظم منكما ... كأنّ الذي يسقي العقار سقاكما

  / تحمّل من يهوى القفول وغادروا ... أخا لكما أشجاه ما قد شجاكما⁣(⁣٣)

  فأيّ أخ يجفو أخا بعد موته ... فلست الذي من بعد موت جفاكما

  أصبّ على قبريكما من مدامة ... فإلَّا تذوقا أرو منها ثراكما⁣(⁣٤)

  أناديكما كيما تجيبا وتنطقا ... وليس مجابا صوته من دعاكما

  أمن طول نوم لا تجيبان داعيا ... خليليّ ما هذا الذي قد دهاكما

  قضيت بأنّي لا محالة هالك ... وأنّي سيعروني الذي قد عراكما

  سأبكيكما طول الحياة وما الذي ... يردّ على ذي عولة إن بكاكما

  نسبته إلى رجل من أهل الكوفة

  وأخبرني ابن عمّار أبو العباس أحمد بن عبيد اللَّه بخبر هؤلاء، عن أحمد بن يحيى البلاذري قال: حدّثنا عبد اللَّه بن صالح بن مسلم العجليّ قال:

  بلغني أنّ ثلاثة نفر من أهل الكوفة كانوا في الجيش الذي وجّهه الحجاج إلى الدّيلم، وكانوا يتنادمون لا يخالطون غيرهم، فإنّهم لعلى ذلك إذ مات أحدهم فدفنه صاحباه، وكانا يشربان عند قبره، فإذا بلغه الكأس هراقاها على قبره وبكيا. ثم إنّ الثاني مات فدفنه الباقي إلى جنب صاحبه، وكان يجلس عند قبريهما فيشرب ويصبّ الكأس على الذي يليه ثم على الآخر ويبكي، وقال فيهما:

  نديمي هبّا طالما قد رقدتما

  وذكر بعض الأبيات التي تقدم ذكرها. وقال مكان «براوند هذه»: «بقزوين»، وسائر الخبر نحو ما ذكرناه. قال ابن عمار: فقبورهم هناك تعرف بقبور الندماء.

  نسبته إلى الحزين بن الحارث

  وذكر العتبي عن أبيه أن الشّعر للحزين بن الحارث، أحد بني عامر بن صعصعة، وكان أحد نديميه من بني


(١) قاسان، وأهلها يقولون كاسان: مدينة كانت بما وراء النهر في حدود بلاد الترك، ياقوت.

(٢) راوند، بفتح الواو: بليدة قرب قاسان وأصبهان.

(٣) القفول: العودة. س: «العقول»، محرف.

(٤) ط: «صداكما»، وكتب فوقها «ثراكما».