ذكر متمم وأخباره وخبر مالك ومقتله
  أنّ رسول اللَّه ﷺ استعمل عماله على بني تميم، فكان مالك بن نويرة عامله على بني يربوع. قال: ولمّا تنبأت سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان وسارت من الجزيرة، راسلت مالك بن نويرة ودعته إلى الموادعة، فأجابها وقنّاها(١) عن غزوها، وحملها على أحياء [من](٢) بني تميم، فأجابته وقالت: نعم فشأنك بمن رأيت، وإنّما أنا امرأة من بني يربوع، وإن كان ملك فهو ملككم. فلمّا تزوّجها مسيلمة الكذّاب ودخل بها انصرفت إلى الجزيرة وصالحته أن يحمل عليها النّصف من غلَّات اليمامة، فارعوى حينئذ مالك بن نويرة وندم وتحيّر في أمره، فلحق بالبطاح، ولم يبق في بلاد بني حنظلة شيء يكره إلَّا ما بقي من أمر مالك بن نويرة ومن تأشّب إليه(٣) بالبطاح، فهو على حاله متحيّر ما يدري ما يصنع.
  وقال سيف: فحدّثني سهل بن يوسف، عن القاسم بن محمد وعمرو بن شعيب قالا: لما أراد خالد بن الوليد المسير خرج [من ظفر(٤)] وقد استبرأ أسدا وغطفان وطيئا(٥)، فسار يريد البطاح دون الحزن، وعليها مالك بن نويرة / وقد تردّد عليه أمره وقد تردّدت الأنصار على خالد وتخلَّفت عنه، وقالوا: ما هذا بعهد الخليفة إلينا؛ / فقد عهد إلينا إن نحن فرغنا من البزاخة(٦) واستبرأنا بلاد القوم، أن يكتب إلينا بما نعمل. فقال خالد: إن يكن عهد إليكم هذا فقد عهد إليّ أن أمضى، وأنا الأمير وإليّ تنتهي الأخبار، ولو أنّه لم يأتني له كتاب ولا أمر ثم رأيت فرصة إن أعلمته بها فاتتني لم أعلمه حتّى أنتهزها. وكذلك لو ابتلينا بأمر ليس منه عهد إلينا فيه لم ندع أن نرى أفضل(٧) ما بحضرتنا ونعمل به. وهذا مالك بن نويرة بحيالنا، وأنا قاصد له بمن معي من المهاجرين والتابعين لهم بإحسان، ولست أكرههم(٨). ومضى خالد وبرمت الأنصار وتذامروا(٩) وقالوا: لئن أصاب القوم(١٠) خيرا إنّه لخير حرمتموه، ولئن أصابتهم(١١) مصيبة ليجتنبنّكم الناس. فأجمعوا على اللَّحاق بخالد، وجرّدوا إليه رسولا، فأقام عليهم حتّى لحقوا به، ثم سار حتّى لحق البطاح فلم يجد به أحدا.
  قال السري عن شعيب، عن سيف عن خزيمة بن شجرة العقفاني(١٢) عن عثمان بن سويد، عن سويد بن المنعبة(١٣) الرياحي قال:
(١) قناها: كفها وردها. في م: «فهاما». وفي أ: «نهاها»، صوابهما في ح. وفي ها، والطبري (٣: ٢٣٧): «فثأها»، وهي بمعنى كفها أيضا.
(٢) التكملة من الطبري. على أن أبا الفرج قد اختصر نص الطبري اختصارا شديدا.
(٣) تأشب: تجمع. وفي معظم الأصول: «وما ناسب»، صوابه في ها والطبري (٣: ٢٤١).
(٤) التكملة من الطبري. وظفر: موضع قرب الحوأب في طريق البصرة إلى المدينة.
(٥) كذا في ح، ها والطبري. وفي سائر الأصول: «وغنيا» تحريف.
(٦) البزاخة: ماء لبني أسد كانت به وقعة طليحة. ح: «البراهة» وفي سائر النسخ: «البراهمة»، والصواب من ها والطبري.
(٧) كذا الصوب من الطبري. وفي ح: «لم ندع أن تدع لفضل». وفي سائر النسخ: «لم ندع أن نرعى لفضل».
(٨) الطبري: «أكرهكم». وهما من الإكراه.
(٩) كذا في الطبري وها. وفي سائر الأصول: «وندمت الأنصار وتراموا»، وإنما هي تذامروا، كما في الطبري. والتذامر: أن يحض القوم بعضهم بعضا على الجد في القتال.
(١٠) في الأصول ما عدا ها: «اليوم»، وصحته من الطبري.
(١١) في الأصول: «أصابتكم». والوجه ما أثبت من الطبري، وها.
(١٢) في الأصول: «جذيمة» و «سحرة» وفي بعضها «منحره» و «الغفقاني». وأثبت ما في الطبري.
(١٣) في الطبري: «المثعية».