كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار زياد الأعجم ونسبه

صفحة 259 - الجزء 15

  كان زياد الأعجم صديقا لعمر بن عبيد اللَّه بن معمر قبل أن يلي، فقال له عمر: يا أبا أمامة، لو قد وليت لتركتك لا تحتاج إلى أحد أبدا. فلما ولي فارس قصده، فلمّا لقيه أنشأ يقول:

  أبلغ أبا حفص رسالة ناصح ... أتت من زياد مستبينا كلامها

  فإنّك مثل الشّمس لا ستر دونها ... فكيف أبا حفص عليّ ظلامها

  / فقال له عمر: لا يكون عليك ظلامها أبدا. فقال زياد:

  لقد كنت أدعو اللَّه في السّرّ أن أرى ... أمور معدّ في يديك نظامها

  فقال له: قد رأيت ذلك. فقال:

  /

  فلما أتاني ما أردت تباشرت ... بناتي وقلن العام لا شكّ عامها

  قال: فهو عامهنّ إن شاء اللَّه تعالى. فقال:

  فإنّي وأرضا أنت فيها ابن معمر ... كمكَّة لم يطرب لأرض حمامها⁣(⁣١)

  قال: فهي كذلك يا زياد. فقال:

  إذا اخترت أرضا للمقام رضيتها ... لنفسي ولم يثقل عليّ مقامها

  وكنت أمنّي النفس منك ابن معمر ... أمانيّ أرجو أن يتمّ تمامها

  قال: قد أتمّها اللَّه عليك. فقال:

  فلا أك كالمجري إلى رأس غاية ... يرجّي سماء لم يصبه غمامها

  مديحه لعبد اللَّه بن الحشرج

  قال: لست كذلك فسل حاجتك. قال: نجيبة ورحالتها⁣(⁣٢)، وفرس رائع وسائسه، وبدرة وحاملها، وجارية وخادمها، وتخت ثياب⁣(⁣٣) ووصيف يحمله. فقال: قد أمرنا لك بجميع ما سألت، وهو لك علينا في كلّ عام.

  فخرج من عنده حتّى قدم على عبد اللَّه بن الحشرج وهو بسابور، فأنزله وألطفه⁣(⁣٤)، فقال في ذلك:

  إنّ السّماحة والمروءة والنّدى ... في قبّة ضربت على ابن الحشرج

  ملك أغرّ متوّج ذو نائل ... للمعتفين يمينه لم تشنج

  / يا خير من صعد المنابر بالتقى ... بعد النبيّ المصطفى المتحرّج

  لما أتيتك راجيا لنوالكم ... ألفيت باب نوالكم لم يرتج⁣(⁣٥)

  فأمر له بعشرة آلاف درهم.


(١) الطرب: الشوق.

(٢) النجيبة: الناقة الكريمة. والرحالة: الرحل.

(٣) التخت: وعاء يصان فيه الثياب.

(٤) ألطفه: أتحفه بالهدايا والألطاف.

(٥) أ، م: «راجيا أموالكم».