كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار شارية

صفحة 273 - الجزء 16

  قال ابن المعتز: وأخبرني عبد الواحد بن إبراهيم بن محمد بن الخصيب، قال: ذكر يوسف بن إبراهيم المصريّ، صاحب إبراهيم بن المهدي:

  أن إبراهيم وجّه به إلى عبد الوهاب بن عليّ، في حاجة كانت له، [قال⁣(⁣١)]: فلقيته وانصرفت من عنده، فلم أخرج من دهليز عبد الوهاب حتى استقبلتني امرأة. فلما نظرت في وجهي سترت وجهها. فأخبرني شاكري⁣(⁣٢) أن المرأة هي أم شارية، جارية إبراهيم. فبادرت إلى إبراهيم، وقلت له: أدرك، فإني رأيت أم شارية في دار عبد الوهاب، وهي من تعلم، وما يفجؤك إلا حيلة قد أوقعتها. فقال لي في جواب ذلك: أشهدك أن جاريتي شارية صدقة على ميمونة بنت إبراهيم بن المهدي، ثم أشهد ابنه هبة اللَّه على مثل ذلك⁣(⁣٣). وأمرني بالركوب إلى دار ابن أبي دواد، وإحضار من قدرت عليه من الشهود المعدلين عنده، فأحضرته أكثر من عشرين شاهدا. وأمر بإخراج شارية، / فخرجت، فقال لها: اسفري، فجزعت من ذلك. فأعلمها أنه إنما أمرها بذلك لخير يريده بها، ففعلت.

  فقال لها: تسمّى. فقالت: أنا شارية أمتك. فقال لهم: تأملوا وجهها، ففعلوا. ثم قال: فإني أشهدكم أنها حرة لوجه اللَّه تعالى، وأني قد تزوّجتها، وأصدقتها عشرة آلاف درهم. يا شارية مولاة إبراهيم بن المهديّ، أرضيت؟

  قالت: نعم يا سيدي قد رضيت، والحمد للَّه على ما أنعم به عليّ. فأمرها بالدخول، وأطعم الشهود وطيّبهم وانصرفوا.

  فما أحسبهم بلغوا دار ابن أبي دواد، حتى دخل علينا عبد الوهاب بن عليّ، فأقرأ عمه سلام المعتصم، ثم قال له: يقول لك أمير المؤمنين: من المفترض عليّ طاعتك، وصيانتك عن كل ما يعرك⁣(⁣٤)، إذ كنت عمي، وصنو أبي، وقد رفعت إليّ امرأة من قريش قصة، ذكرت فيها أنها من بني زهرة صليبة⁣(⁣٥)، وأنها أم شارية، واحتجت بأنه لا تكون بنت امرأة من قريش أمة، فإن كانت هذه المرأة صادقة في أن شارية بنتها، وأنها من بني زهرة، فمن المحال أن تكون شارية أمة؛ والأشبه بك والأصلح إخراج شارية من دارك، وسترها عند من تثق به من أهلك، حتى نكشف ما قالت هذه المرأة؛ فإن ثبت ما قالته أمرت من جعلتها عنده بإطلاقها، وكان في ذلك الحظ لك في دينك ومروءتك؛ وإن لم يصح ذلك، أعيدت الجارية إلى منزلك، وقد زال عنك القول / الذي لا يليق بك ولا يحسن.

  فقال له إبراهيم: فديتك يا أبا إبراهيم، هب شارية بنت زهرة بن كلاب، أتنكر على ابن عباس بن عبد المطلب أن يكون بعلا لها؟ فقال عبد الوهاب: لا. فقال إبراهيم: فأبلغ أمير المؤمنين، أطال اللَّه بقاءه السلامة، وأخبره أن شارية / حرة، وأني قد تزوجتها بشهادة جماعة من العدول.


(١) قال: عن «نهاية الأرب».

(٢) الشاكريّ: أحد الجنود الشاكرية؛ من جند الخلفاء العباسيين. انظر رسالة معاقب الترك وعامة جند الخلافة للجاحظ ص ١٨.

(٣) كذا في ف. وفي بقية الأصول: ثم أشهد اللَّه أنه على مثل ما أشهدني عليه.

(٤) كذا في ف. وفي بعض الأصول: يضرك. وفي «نهاية الأرب» للنويري (٥: ٨١): يسوءك.

(٥) صليبة: بتقديم الياء المثناة على الباء، كذا في ف، أ. وفي ترجمة أبي تمام («الأغاني» طبعة الساسي ١٥: ٩٦). وكذلك جاءت في أخبار أبي تمام للصولي (ص ٥٩ طبعة ترجمة التأليف والترجمة). وهي منصوبة إما على أنها صفة لمحذوف، أي نسبة صليبة، وهي الخالصة. قال في «أساس البلاغة»: عربي صليب: خالص النسب، وامرأة صليبة: كريمة المنصب عريقة. وإما على أنها حال من بني زهرة، وهم فرع من قريش. وفي ج، م، س، ب: صليبة، بتقديم الموحدة على المثناة، نسبة إلى الصلب. يريد أن اباءها من بني زهرة أنفسهم، وليست مولاة لهم، فكلا اللفظين إذن صحيح.