كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار المغيرة بن شعبة ونسبه

صفحة 322 - الجزء 16

  إسلامه

  قال محمد بن سعد كاتب الواقديّ: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني محمد بن سعيد الثقفيّ، وعبد الرّحمن بن⁣(⁣١) عبد العزيز وعبد الملك بن عيسى الثقفيّ وعبد اللَّه بن عبد الرّحمن⁣(⁣١) بن يعلى بن كعب، ومحمد بن يعقوب بن عتبة، عن أبيه وغيرهم، قالوا: قال المغيرة بن شعبة:

  كنا قوما من العرب متمسكين بديننا، ونحن سدنة اللات، فأراني لو رأيت قوما قد أسلموا ما تبعتهم.

  فأجمع⁣(⁣٢) نفر من بني مالك الوفود⁣(⁣٢) على المقوقس، وأهدوا له هدايا. فأجمعت الخروج معهم. فاستشرت عمي عروة بن مسعود، فنهاني، وقال لي: ليس معك من بني أبيك أحد. فأبيت إلا الخروج، وخرجت معهم، وليس معهم أحد من الأحلاف غيري، حتى دخلنا الإسكندرية، فإذا المقوقس في مجلس مطل على البحر. فركب قاربا حتى حاذيت مجلسه، فنظر إليّ فأنكرني، وأمر من يسائلني ما أنا⁣(⁣٣)؟ وما أريد؟ فسألني المأمور، فأخبرته بأمرنا، / وقدومنا عليه. فأمر بنا أن ننزل في الكنيسة، وأجرى علينا ضيافة. ثم دعا بنا، فنظر إلى رأس بني مالك، فأدناه إليه، وأجلسه معه، ثم سأله: أكل القوم من بني مالك؟ فقال: نعم، إلا رجلا واحدا من الأحلاف. فعرّفه إياي، فكنت أهون القوم عليه. ووضعوا هداياهم بين يديه، فسرّبها، وأمر بقبضها. وأمر لهم بجوائز، وفضل بعضهم على بعض، وقصّربي، فأعطاني شيئا قليلا لا ذكر له.

  وخرجنا، فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم⁣(⁣٤) وهم مسرورون، ولم يعرض عليّ أحد منهم مواساة.

  وخرجوا، وحملوا معهم خمرا، فكانوا يشربون منها وأشرب معهم، ونفسي تأبى أن تدعني معهم. وقلت: ينصرفون إلى الطائف بما أصابوا⁣(⁣٥) وما حباهم به الملك، ويخبرون قومي بتقصيره بي، وازدرائه إياي. فأجمعت على قتلهم.

  فقلت: أنا أجد صداعا، فوضعوا شرابهم ودعوني. فقلت: رأسي يصدّع، ولكني أجلس وأسقيكم، فلم ينكروا شيئا، وجلست أسقيهم وأشرب القدح بعد القدح. فلما دبّت الكأس فيهم، اشتهوا الشراب، فجعلت أصرّف لهم وأترع الكأس، فيشربون ولا يدرون. فأهمدتهم⁣(⁣٦) الكأس، حتى ناموا ما يعقلون. فوثبت إليهم، فقتلتهم جميعا، وأخذت جميع ما كان معهم.

  فقدمت على النبيّ ، فوجدته جالسا في المسجد مع أصحابه، وعلى ثياب السفر، فسلمت بسلام الإسلام.

  فنظر إليّ أبو بكر بن أبي قحافة، وكان بي عارفا، فقال: ابن أخي عروة؟ قلت: نعم، جئت أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا رسول اللَّه. فقال رسول اللَّه : الحمد للَّه الذي هداك إلى الإسلام. / فقال أبو بكر ¥:

  أفمن مصر أقبلتم؟ قلت: نعم. قال: فما فعل المالكيون الذين كانوا معك؟ قلت: كان بيني وبينهم بعض ما يكون بين العرب ونحن على دين الشرك، فقتلتهم وأخذت أسلابهم، وجئت بها إلى رسول اللَّه ليخمسها، ويرى فيها


(١ - ١) العبارة ساقطة من ف.

(٢ - ٢) ف: فاجتمع ... للوفود.

(٣) ف: ممن أنا.

(٤) ف: لأهاليهم.

(٥) ف: أرادوا.

(٦) كذا في مب ومجلة المستشرقين الألمانية. وفي ف: فهمدتهم. ولعل الكلمة محرفة عن أخمدتهم، أو عن: فهدتهم. يقال: هدني الأمر وهدّ ركني: إذا بلغ منه وكسره.