أخبار الفضل بن العباس اللهبي ونسبه
  يخرج منه الشّرار مع لهب ... من حاد عن حرّه فقد سلما
  / فو اللَّه ما تلعثم(١) أن أقبل عليّ بوجهه فقال: يا أخا بني مخزوم، أشعر من صاحبك وأصدق الذي يقول:
  هاشم بحر إذا سما(٢) وطما ... أحمد حرّ الحريق واضطرما
  واعلم وخير المقال أصدقه ... بأنّ من رام هاشما هشما
  قال: فتمنيت واللَّه يا أمير المؤمنين أن الأرض ساخت بي، ثم تجلدت عليه فقلت: يا أخا بني هاشم، أشعر من صاحبك الذي يقول:
  أبناء مخزوم أنجم طلعت ... للناس تجلو بنورها الظَّلما
  / نجود بالنّيل قبل تسأله ... جودا هنيئا وتضرب البهما(٣)
  فأقبل عليّ بأسرع من اللحظ(٤)، ثم قال: أشعر من صاحبك وأصدق الذي يقول:
  هاشم شمس بالسّعد مطلعها ... إذا بدت أخفت النجوم معا
  اختار منها ربّي النبيّ فمن ... قارعها(٥) بعد أحمد قرعا
  فاسودّت الدنيا في عيني، وديربي، وانقطعت، فلم أحر جوابا. ثم قلت له: يا أخا بني هاشم، إن كنت تفخر علينا برسول اللَّه ﷺ، فما يسعنا مفاخرتك. فقال: كيف؟ لا أمّ لك، واللَّه لو كان منك لفخرت به عليّ. فقلت: صدقت وأستغفر اللَّه، إنه لموضع الفخار. وداخلني السرور لقطعه الكلام، ولئلا ينالني عوز(٦) عن إجابته فأفتضح. ثم إنه أبتدأ بالمناقضة، فأفكر هنيهة، ثم قال: قد قلت فلم أجد بدّا من الاستماع، فقلت: هات. فقال:
  /
  نحن الذين إذا سما لفخارهم ... ذو الفخر أقعده هناك القعدد(٧)
  افخر بنا إن كنت يوما فاخرا ... تلق الألى فخروا بفخرك أفردوا
  قل يا بن مخزوم لكل مفاخر ... منا المبارك ذو الرسالة أحمد
  ماذا يقول ذوو الفخار هنا لكم ... هيهات ذلك، هل ينال الفرقد
  فحصرت واللَّه وتبلَّدت، وقلت له: إن لك عندي جوابا فأنظرني. وأفكرت مليّا، ثم أنشأت أقول:
  لا فخر إلا قد علاه محمد ... فإذا فخرت به فإني أشهد
  أن قد فخرت وفقت كلّ مفاخر ... وإليك في الشرف الرفيع المعمد
  ولنا دعائم قد بناها أوّل ... في المكرمات جرى عليها المولد
(١) ما تلعثم: ما توقف.
(٢) «بدائع البدائة»: همي. ومضارعه يهمي.
(٣) جمع بهمة، وهو الشجاع ينبهم أمره على قرنه، فلا يدري من أين يصيبه.
(٤) «بدائع البدائة»: أسرع من البرق.
(٥) كذا في ف. وفي الأصول و «بدائع البدائة»: قارعنا.
(٦) كذا في ف، مب. في «بدائع البدائة»: عجز عن إجابته. وفي الأصول: خور عن إجابته.
(٧) القعدد: اللئيم الخامل القاعد عن المكارم. وفي «بدائع البدائة»: الزمان القعدد.