كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الخبر في مقتل ابني عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب

صفحة 445 - الجزء 16

  إن الجهاد باب من أبواب الجنة، فمن تركه ألبسه اللَّه ثوب الذلة وشمله البلاء، وديّث⁣(⁣١) بالصّغار، وسيم الخسف. وقد قلت لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم، فإنه لم يغز قوم قطَّ في عقر⁣(⁣٢) دارهم إلا ذلَّوا، فتواكلتم وتخاذلتم، وتركتم قولي وراءكم ظهريا، حتى شنّت عليكم الغارات. هذا أخو غامد قد جاء الأنبار، فقتل عاملي عليها حسان بن حسان، وقتل رجالا كثيرا ونساء. واللَّه لقد بلغني أنه كان يأتي المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة، فينزع حجلها ورعاثها⁣(⁣٣)، ثم ينصرفون موفورين، لم يكلم أحد منهم كلما، فلو أن امرأ مسلما مات من دون هذا أسفا، لم يكن عليه ملوما، بل كان به جديرا. يا عجبا، عجبا يميت القلب، ويشعل الأحزان، من اجتماع هؤلاء القوم على ضلالتهم وباطلهم، وفشلكم عن حقكم، حتى صرتم غرضا، ترمون ولا ترمون، وتغزون ولا تغزون، ويعصى اللَّه وترضون. إذا قلت لكم اغزوهم في الحر، قلتم هذه حمارّة القيظ فأمهلنا، وإذا قلت لكم اغزوهم في البرد، قلتم هذا أوان قرّ وصرّ فأمهلنا. فإذا كنتم من⁣(⁣٤) الحر والبرد تفرّون، فأنتم واللَّه من السيف / أشد فرارا. يا أشباه الرجال ولا رجال، ويا طغام⁣(⁣٥) الأحلام، وعقول ربات الحجال⁣(⁣٦)، وددت واللَّه اني لم أعرفكم، بل وددت أني لم أركم، معرفة واللَّه جرّعت بلاء وندما، وملأتم جوفي غيظا بالعصيان والخذلان، حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب. ويحهم! هل فيهم أشد مراسا لها مني؟ واللَّه لقد دخلت فيها وأنا ابن عشرين، وأنا الآن قد نيّفت على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع.

  فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، أنا كما قال اللَّه تعالى: {لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وأَخِي}⁣(⁣٧) فمرنا بأمرك، فو اللَّه لنطيعنك ولو حال بيننا وبينك جمر الغضى⁣(⁣٨)، وشوك القتاد. قال: وأين تبلغان مما أريد؛ هذا أو نحوه، ثم نزل.

  رسائل بين علي وأخيه عقيل

  حدثنا محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدثني عمي عبيد اللَّه بن محمد قال: حدثني جعفر بن بشير قال:

  حدثني صالح بن يزيد الخراساني، عن أبي مخنف، عن سليمان بن أبي راشد، عن ابن أبي الكنود عبد الرّحمن بن عبيد قال:

  كتب عقيل بن أبي طالب إلى / أخيه عليّ بن أبي طالب #:

  «أما بعد، فإن اللَّه ø جارك من كل سوء، وعاصمك من المكروه. إني خرجت معتمرا، فلقيت عبد اللَّه بن أبي سرح في نحو من أربعين شابا من أبناء الطَّلقاء، فقلت لهم، وعرفت المنكر في وجوههم: يا أبناء الطَّلقاء، العداوة واللَّه لنا منكم غير مستنكرة قديما، تريدون بها إطفاء نور اللَّه، وتغيير أمره، فأسمعني / القوم


(١) ديث: ذلل.

(٢) عقر دارهم: أصلها.

(٣) الجحل: الخلخال. والرعاث: جمع رعثة، وهي الشنف.

(٤) في الأصول: بين. وفي ف: في، وأثبتنا: من، عن مب، و «الكامل» للمبرد، و «شرح نهج البلاغة».

(٥) الطغام: من لا عقل له، ولا معرفة عنده.

(٦) الحجال: جمع حجلة، وهي بيت للعروس يزين بالثياب والستور.

(٧) سورة المائدة آية: ٢٥.

(٨) الغضى: نبات من أجود وقود العرب.