الخبر في هذه القصة، وسبب منافرة عامر وعلقمة وخبر الأعشى وغيره معهما فيها
  قال الأثرم: وأخبرني رجل من جهينة بدمشق، قال: هو الأشعر(١) بن صرمة.
  قال: الأثرم: سمى صرمة غيهب(٢) لسواده.
  قال ابن الكلبيّ: فاستعاره منهم يستطرقه(٣)، فغلبهم عليه، فقال علقمة: أما فرسكم فعارة(٤)، وأما فحلكم فغدرة. ولكن إن شئت نافرتك. فقال: قد شئت.
  فقال عامر: واللَّه لأنا أكرم منك حسبا، وأثبت منك نسبا، وأطول منك قصبا.
  فقال علقمة: لأنا خير منك ليلا ونهارا.
  فقال عامر: لأنا أحب إلى نسائك أن أصبح فيهن منك.
  فقال علقمة: على ماذا تنافرني يا عامر؟
  فقال عامر: أنافرك على أني أنحرمنك للَّقاح، وخير منك في الصباح(٥)، وأطعم منك في السنة الشّياح(٦).
  / فقال علقمة: أنت رجل تقاتل والناس يزعمون أني جبان، ولأن تلقى العدوّ وأنا أمامك، أعزّ لك من أن تلقاهم وأنا خلفك. وأنت جواد والناس يزعمون أني بخيل، ولست كذلك، ولكن أنافرك أني خير منك أثرا، وأحدّ منك بصرا، وأعز منك نفرا، وأسرح(٧) منك ذكرا.
  فقال عامر: ليس لبني الأحوص فضل على بني مالك في العدد، وبصري ناقص، وبصرك صحيح، ولكني أنافرك على أني أنشر منك أمة(٨)، وأطول منك قمّة، وأحسن منك لمّة، وأجعد منك جمّة، وأبعد منك همّة.
  قال علقمة: أنت رجل جسيم، وأنا رجل قضيف، وأنت جميل، وأنا قبيح، ولكني أنافرك بآبائي وأعمامي.
  فقال عامر: آباؤك أعمامي ولم أكن لأنافرك بهم، ولكني أنافرك أني خير منك عقبا، وأطعم منك جدبا.
  قال علقمة: قد علمت أن لك عقبا في العشيرة، وقد أطعمت طيبا(٩) إذ سارت؛ ولكني أنافرك أني خير منك، وأولى بالخيرات منك؛ وقد أكثرنا المراجعة منذ اليوم.
  قال: فخرجت أم عامر، وكانت تسمع كلامهما، فقالت: يا عامر، نافره أيكما أولى بالخيرات.
  قال أبو المنذر: قال أبو مسكين: قال عامر في مراجعته: واللَّه لأنا أركب منك في الحماة، وأقتل منك للكماة، وخير منك للمولى والمولاة.
  / فقال له علقمة: واللَّه إني أعز منك. إني لبرّ وإنك لفاجر، وإني لوفيّ وإنك لغادر، ففيم تفاخرني يا عامر؟
(١) كذا في الأصل. ولعله للأشعر.
(٢) كذا في الأصل. ولعل صوابه: وسمى فحل صرمة غيهبا لسواده.
(٣) يستطرقه: يتخذه فحلا لنوقه، ليحسن نتاجها.
(٤) عارة: عارية.
(٥) في الصباح: أي عند الغارة على الأعداء.
(٦) الشياح: القحط. يريد السنة المجدبة.
(٧) أسرح: أبعد. وفي الأصول عدا ف: أشرف.
(٨) أي أكثر قوما.
(٩) في بعض الأصول: «طيئا».