أخبار أبي العباس الأعمى
  عبد الملك يستنشده مديحه في مصعب
  وقال قعنب بن المحرز: حدّثني المدائنيّ قال:
  قال عبد الملك بن مروان لأبي العباس الأعمى مولى بني الدّيل: أنشدني مديحك مصعبا. فاستعفاه، فقال: يا أمير المؤمنين، إنما رثيته بذلك لأنه كان صديقي، وقد علمت أن هواي أمويّ. قال: صدقت، ولكن أنشدني ما قلته. فأنشده:
  يرحم اللَّه مصعبا فلقد ما ... ت كريما ورام أمرا جسيما
  فقال عبد الملك: أجل، لقد مات كريما. ثم تمثل:
  ولكنه رام التي لا يرومها ... من الناس إلا كلّ خرق(١) معمّم
  عبد الملك يقسم على بني أمية أن يخلعوا على أبي العباس
  أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان. قال حدّثني إسحاق بن محمد الأموي قال:
  لما حج عبد الملك بن مروان جلس للناس بمكة، فدخلوا إليه على مراتبهم، وقامت الشعراء والخطباء فتكلموا، ودخل أبو العباس الأعمى، فلما رآه عبد الملك قال: مرحبا مرحبا بك يا أبا العباس، أخبرني بخبر الملحد المحلّ حيث كسا أشياعه ولم يكسك، وأنشدني ما قلت في ذلك.
  فأخبره بخبر ابن الزبير، وأنه كسا بني أسد وأحلافها ولم يكسه، وأنشده الأبيات. فقال عبد الملك: أقسم على كل من حضرني من بني أمية وأحلافهم ومواليهم، ثم على كل من حضرني من أوليائي وشيعتي على دعوتهم، إلا كسا أبا العباس.
  فخلعت واللَّه حلل الوشي والخز والقوهيّ، / وجعلت ترمى عليه، حتى إذا غطته نهض فجلس فوق ما اجتمع منها وطرح عليه، قال: حتى رأيت في الدار من الثياب ما ستر عني عبد الملك وجلساءه، وأمر له عبد الملك بمئة ألف درهم.
  أبو العباس يهجو ابن الزبير لما نفاه إلى الطائف
  / أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمار قال: حدّثني عليّ بن محمد بن سليمان النوفليّ. قال: حدّثني أبي وأهلي:
  أن عبد اللَّه بن الزبير لما غلب على الحجاز، جعل يتتبع شيعة بني مروان، فينفيهم عن المدينة ومكة، حتى لم يبق بهما أحد منهم، ثم بلغه عن أبي العباس الأعمى الشاعر نبذ من كلام، وأنه يكاتب بني مروان بعوراته، ويمدح عبد الملك، وتجيئه جوائزه وصلاته، فدعا به، ثم أغلظ له، وهمّ به، ثم كلَّم / فيه، وقيل له: رجل مضرور. فعفا عنه، ونفاه إلى الطائف، فأنشأ يقول يهجوه ويهجو آل الزبير:
  بني أسد لا تذكروا الفخر إنكم ... متى تذكروه تكذبوا وتحمّقوا
(١) خرق: كذا في ف، وهو السيد الكريم. وفي بعض الأصول: حرّ.