كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عبد يغوث ونسبه

صفحة 489 - الجزء 16

  آخر النهار قتل النعمان بن جساس، قتله رجل من أهل اليمن، كانت أمه من بني حنظلة، يقال له عبد اللَّه بن كعب، وهو الذي رماه، فقال للنعمان حين رماه: خذها وأنا ابن الحنظلية. فقال النعمان: ثكلتك أمك، رب حنظلية قد غاظتني⁣(⁣١). فذهبت مثلا، وظن أهل اليمن أن بني تميم سيهدّهم قتل النعمان، فلم يزدهم ذلك إلا جراءة عليهم، فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل، فباتوا يحرس بعضهم بعضا، فلما أصبحوا غدوا على القتال، فنادى قيس بن عاصم:

  يال سعد، ونادى عبد يغوث: يال سعد. قيس بن عاصم يدعو سعد بن زيد مناة بن تميم، وعبد يغوث يدعو سعد العشيرة. فلما سمع ذلك قيس نادى: يال كعب، فنادى عبد يغوث: يال كعب. قيس يدعو كعب بن سعد، وعبد يغوث يدعو كعب بن عمرو⁣(⁣٢). فلما رأى ذلك قيس من صنيع عبد يغوث، قال: ما لهم أخزاهم اللَّه ما ندعو بشعار إلا دعوا بمثله. فنادى قيس: يال مقاعس، يعني بني الحارث بن عمرو بن كعب، وكان يلقب مقاعسا، فلما سمع وعلة بن عبد اللَّه الجرميّ الصوت، وكان صاحب اللواء يومئذ، طرحه، وكان أول من انهزم / من اليمن، وحملت عليهم بنو سعد والرّباب، فهزموهم أفظع هزيمة، وجعل رجل منهم يقول:

  يا قوم لا يفلتكم اليزيدان ... مخرّما أعني به والدّيّان

  / وجعل قيس بن عاصم ينادي: يال تميم: لا تقتلوا إلا فارسا، فإن الرجّالة لكم. وجعل يرتجز ويقول:

  لما تولَّوا عصبا شوازبا⁣(⁣٣) ... أقسمت لا أطعن إلَّا راكبا

  إني وجدت الطعن فيهم صائبا

  وجعل يأخذ الأسارى، فإذا أخذ أسيرا قال له: ممن أنت؟ فيقول: من بني زعبل، وهو زعبل بن كعب، أخو الحارث بن كعب، وهم أنذال، فكأن الأسارى يريدون بذلك رخص الفداء، فجعل قيس إذا أخذ أسيرا منهم، دفعه إلى من يليه من بني تميم، ويقول: أمسك حتى أصطاد لك زعبلة أخرى، فذهبت مثلا. فما زالوا في آثارهم يقتلون ويأسرون، حتى أسر عبد يغوث، أسره فتى من بني عمير بن عبد شمس. وقتل يومئذ علقمة بن سبّاع⁣(⁣٤) القريعيّ، وهو فارس هبّود، وهبّود فرس عمرون الجعيد المراديّ [وكان علقمة قتل عمرا وأخذ فرسه من تحته]، وأسر الأهتم، واسمه سنان بن سميّ بن خالد بن منقر، ويومئذ سمّي الأهتم - رئيس كندة البراء بن قيس، وقتلت التيم الأوبر الحارثيّ، وآخر من بني الحارث يقال له معاوية، قتلهما النعمان بن جساس، وقتل يومئذ من أشرافهم خمسة، وقتلت بنو ضبّة ضمرة بن لبيد الحماسيّ الكاهن، قتله قبيصة بن ضرار بن عمرو الضبيّ.

  وأما عبد يغوث فانطلق به العبشميّ إلى أهله، وكان العبشميّ أهوج، فقالت له أمه - ورأت عبد يغوث عظيما جميلا جسيما -: من أنت؟ قال: / أنا سيد القوم. فضحكت، وقالت: قبحك اللَّه من سيد قوم حين أسرك هذا الأهوج. فقال عبد يغوث:

  وتضحك مني شيخة عبشميّة ... كأن لم ترا قبلي أسيرا يمانيا

  ثم قال لها: أيتها الحرة، هل لك إلى خير؟ قالت: وما ذاك؟ قال: أعطي ابنك مئة من الإبل وينطلق بي إلى الأهتم،


(١) «النقائض»: رب ابن حنظلية قد غاظني.

(٢) «العقد الفريد» (٥: ٢٢٧): كعب بن مالك.

(٣) شوازب: جمع شازب، وهو الشاحب الضامر. وفي «العقد الفريد» (٥: ٢٢٧): هواربا.

(٤) «النقائض» (١: ١٥٢): سباح.