نسب حجر بن عمرو والسبب الذي من أجله قال هذا الشعر
  الهبولة، فطرحاه بين يديه، فناولهما من التمر، وجلسا قريبا من القبة. فأما صليع(١) فقال: هذه آية وعلم(٢) ما يريد، فانصرف إلى حجر، فأعلمه بعسكره، وأراه التمر. وأما سدوس فقال: لا أبرح حتى آتيه بأمر جليّ. فلما ذهب هزيع من الليل أقبل ناس من أصحابه يحرسونه، وقد تفرّق أهل العسكر في كل ناحية، فضرب سدوس بيده إلى جليس له، فقال له: من أنت؟ مخافة أن يستنكر. / فقال: أنا فلان ابن فلان. قال: نعم. ودنا سدوس من القبة، فكان حيث يسمع الكلام، فدنا ابن الهبولة من هند امرأة حجر، فقبّلها وداعبها، ثم قال لها فيما يقول: ما ظنك الآن / بحجر لو علم بمكاني منك؟ قالت: ظني به واللَّه أنه لن يدع طلبك حتى يطالع القصور الحمر، وكأني أنظر إليه في فوارس من بني شيبان يذمّرهم ويدمّرونه، وهو شديد الكلب، سريع الطلب، يزبد شدقاه كأنه بعير آكل مرار. فسمّى حجر آكل المرار يومئذ. قال: فرفع يده فلطمها. ثم قال: ما قلت هذا إلا من عجبك به، وحبك له.
  فقالت: واللَّه ما أبغضت ذا نسمة قطَّ بغضي له، ولا رأيت رجلا قطَّ أحزم منه نائما ومستيقظا، إن كان لتنام عيناه وبعض أعضائه حيّ لا ينام، وكان إذا أراد النوم أمرني أن أجعل عنده عسّا مملوءا لبنا، فبينا هو ذات ليلة نائم وأنا قريبة منه أنظر إليه، إذ أقبل أسود سالخ إلى رأسه، فنحى رأسه، فمال إلى يديه، وإحداهما مقبوضة، والأخرى مبسوطة، فأهوى إليها فقبضها، فمال إلى رجليه وقد قبض واحدة، وبسط الأخرى، فأهوى إليها، فقبضها، فمال إلى العسّ: شربه ثم مجه، فقلت: يستيقظ فيشرب فيموت، فأستريح منه. فانتبه من نومه، فقال: عليّ بالإناء، فناولته، فشمه فاضطربت يداه، حتى سقط الإناء فأهريق. وذلك كله بأذن سدوس. فلما نامت الأحراس خرج يسري ليلته، حتى صبّح حجرا. فقال:
  أتاك المرجفون برجم غيب ... على دهش وجئتك باليقين
  فمن يك قد أتاك بأمر لبس ... فقد آتي بأمر مستبين
  ثم قصّ عليه جميع ما سمع.
  فأسف ونادى في الناس: الرحيل. فساروا حتى انتهوا إلى عسكر ابن الهبولة، فاقتتلوا قتالا شديدا، فانهزم أصحاب ابن الهبولة، وعرفه سدوس، فحمل عليه، / فاعتنقه وصرعه فقتله. وبصر به عمرو بن معاوية، فشدّ عليه، فأخذ رأسه منه، وأخذ سدوس سلبه، وأخذ حجر هندا فربطها بين فرسين، ثم ركضا بها حتى قطَّعاها قطعا.
  هذه رواية ابن الكلبيّ.
  وأما أبو عبيدة فإنه ذكر أن ابن الهبولة لما غنم عسكر حجر، غنم مع ذلك زوجته هند بنت ظالم، وأم أناس بنت عوف بن محلَّم الشيباني، وهي أم الحارث بن حجر وهند بنت حجر، ولابنها الحارث ابن يقال له عمرو، وله يقول بشر بن أبي خازم:
  فإلى ابن أم أناس أعمل ناقتي ... عمرو فتنجح حاجتي أم ترجف
  ملك إذا نزل الوفود ببابه ... غرفوا غوارب مزبد ما ينزف
  قال: وبنتها هند هي التي تزوّجها المنذر بن ماء السماء اللخميّ. قال: وكان ابن الهبولة بعد أن غنم يسوق ما معه من السبايا والنّعم، ويتصيد في المسير، ولا يمرّ بواد إلا أقام به يوما أو يومين، حتى أتى على ضريّة، فوجدها
(١) أ، م: ضبيعة.
(٢) أ، م: على.