أخبار محمد بن صالح العلوي ونسبه
  من رأى، فلم يزل محبوسا بها ثلاث سنين، ثم أطلق، وأقام بها إلى أن مات. وكان سبب موته أنه جدر، فمات في الجدريّ، وهو الذي يقول في الحبس:
  طرب الفؤاد وعاودت أحزانه ... وتشعبت شعبا به أشجانه
  وبدا له من بعد ما اندمل الهوى ... برق تألَّق موهنا لمعانه
  يبدو كحاشية الرّداء ودونه ... صعب الذّرا متمنع أركانه
  فدنا لينظر كيف لاح فلم يطق ... نظرا إليه ورده سجّانه
  فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما سحّت(١) به أجفانه
  ثم استعاذ من القبيح وردّه ... نحو العزاء عن الصّبا إيقانه
  وبدا له أن الذي قد ناله ... ما كان قدّره له ديّانه
  حتى اطمأن ضميره وكأنما ... هتك العلائق عامل وسنانه(٢)
  / يا قلب لا يذهب بحلمك باخل ... بالنّيل باذل تافه منّانه
  يعد القضاء وليس ينجز موعدا ... ويكون قبل قضائه ليّانه(٣)
  خدل الشّوى حسن القوام(٤) مخصّر ... عذب لماه طيّب أردانه
  واقنع بما قسم الإله فأمره ... ما لا يزال على الفتى إتيانه
  والبؤس ماض ما يدوم كما مضى ... عصر النعيم وزال عنك أوانه
  شجاعته
  أخبرني عمي قال: حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال:
  كنت مع أبي عبد اللَّه محمد بن صالح في منزل بعض إخواننا، فأقمنا إلى أن انتصف الليل، وأنا أرى أنه يبيت، فإذا هو قد قام، / فتقلد سيفه، وخرج، فأشفقت عليه من خروجه في ذلك الوقت، وسألته المقام والمبيت، وأعلمته خوفي عليه، فالتفت إليّ مبتسما وقال:
  إذا ما اشتملت السيف والليل لم أهل ... لشيء ولم تقرع فؤادي القوارع
  شعره في الجواري الباكيات
  أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبيّ قال: حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال:
  مرّ محمد بن صالح بقبر لبعض ولد المتوكل، فرأى الجواري يلطمن عنده، فأنشدني لنفسه:
  رأيت بسامرّا صبيحة جمعة ... عيونا يروق الناظرين فتورها
(١) أ، م: جادت.
(٢) العامل من الرمح: صدره، وهو ما يلي السنان.
(٣) ليانه: إخلاف موعده، وهو مصدر لواه بحقه: إذا ماطله.
(٤) أ، م: القيام.