كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي تمام ونسبه

صفحة 531 - الجزء 16

  ولقد علمت بأن ذلك معصم ... ما كنت تتركه بغير سوار

  فابتسم وقال: إنه لحقيق بذلك.

  مدحه خالد بن يزيد الشيباني

  أخبرني علي بن سليمان قال: حدّثنا محمد بن يزيد النحويّ قال:

  خرج أبو تمام إلى خالد بن يزيد بن مزيد وهو بأرمينية، فامتدحه، فأعطاه عشرة آلاف درهم ونفقة لسفره، وقال: تكون العشرة الآلاف موفورة، فإن أردت الشخوص فاعجل، وإن أردت المقام عندنا فلك الحباء والبرّ.

  قال: بل أشخص. فودّعه؛ ومضت أيام، وركب خالد يتصيد، فرآه تحت شجرة، وبين يديه زكرة⁣(⁣١) فيها شراب، وغلام يغنيه بالطَّنبور. فقال: أبو تمام؟ قال: خادمك وعبدك. قال: ما فعل المال؟ فقال:

  علَّمني جودك السماح فما ... أبقيت شيئا لديّ من صلتك

  ما مرّ شهر حتى سمحت به ... كأنّ لي قدرة كمقدرتك

  تنفق في اليوم بالهبات وفي الساعة ما تجتنيه في سنتك

  فلست أدري من أين تنفق لولا ... أن ربي يمدّ في هبتك

  فأمر له بعشرة أخرى، فأخذها وخرج.

  إعجاب الحسن بن رجاء بمدحه فيه

  أخبرني محمد بن يحيى الصّولي قال: حدّثنا عون بن محمد الكنديّ قال: حدّثنا محمد بن سعد أبو عبد اللَّه الرقّيّ، وكان يكتب للحسن بن رجاء؛ قال:

  قدم أبو تمام مادحا للحسن بن رجاء، فرأيت منه رجلا عقله وعلمه فوق شعره، فاستنشده الحسن ونحن على نبيذ قصيدته اللامية التي امتدحه بها، فلما انتهى إلى قوله:

  أنا من⁣(⁣٢) عرفت فإن عرتك جهالة ... فأنا المقيم قيامة العذّال

  عادت له أيامه مسودّة ... حتى توهم أنهن ليال

  فقال الحسن: واللَّه لا تسودّ عليك بعد اليوم. فلما قال:

  لا تنكري عطل الكريم من الغنى ... فالسيل حرب للمكان العالي

  وتنظَّري حيث الركاب ينصّها ... محيى القريض إلى مميت المال⁣(⁣٣)

  فقام الحسن بن رجاء على رجليه، وقال: واللَّه لا أتممتها إلا وأنا قائم. فقام أبو تمام لقيامه، وقال:

  لما بلغنا ساحة الحسن انقضى ... عنا تملَّك دولة الإمحال


(١) زكرة: وعاء من جلد للخمر.

(٢) أ، م و «الديوان»: أنا ذو، وهي بمعنى «من» في لغة طيئ.

(٣) «الديوان»: خبب الركاب، والخبب: ضرب من السير السريع. وينصها: يسوقها.