أخبار أبي تمام ونسبه
  / قال: فلما فرغ أمر له بألف دينار، وخلع عليه خلعة حسنة، وأقمنا عنده يومنا، فلما كان من غد كتب إليه أبو تمام:
  قد كسانا من كسوة الصيف خرق ... مكتس من مكارم ومساع(١)
  حلَّة سابريّة ورداء ... كسحا القيض أو رداء الشّجاع(٢)
  كالسّراب الرّقراق في الحسن إلا ... أنه ليس مثله في الخداع(٣)
  قصبيّا تسترجف الريح متني ... هـ بأمر من الهبوب مطاع(٤)
  رجفانا كأنه الدهر منه ... كبد الضّبّ أو حشا المرتاع
  لازما ما يليه تحبسه جز ... ء آمن المتنتين والأضلاع(٥)
  يطرد اليوم ذا الهجير ولو شبّه في حرّه بيوم الوداع خلعة من أغرّ أروع رحب الصّدر رحب الفؤاد رحب الذراع(٦)
  سوف أكسوك ما يعفّي عليها ... من ثناء كالبرد برد الصّناع(٧)
  حسن هاتيك في العيون وهذا ... حسنه في القلوب والأسماع
  فقال محمد بن الهيثم: ومن لا يعطي على هذا ملكه؟ واللَّه لا بقي في داري ثوب إلا دفعته إلى / أبي تمام، فأمر له بكل ثوب كان يملكه في ذلك الوقت.
  رضا عبد اللَّه بن طاهر عنه بعد عتبه
  أخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ قال: حدّثني عمي الفضل قال: لما شخص أبو تمام إلى عبد اللَّه بن طاهر وهو بخراسان، أقبل الشتاء وهو هناك، فاستثقل البلد، وقد كان عبد اللَّه وجد عليه، وأبطأ بجائزته، لأنه نثر عليه ألف دينار فلم يمسسها بيده، ترفعا عنها، فأغضبه وقال: يحتقر فعلي، ويترفع عليّ. فكان يبعث إليه بالشيء بعد الشيء كالقوت، فقال أبو تمام:
  لم يبق للصيف لا رسم ولا طلل ... ولا قشيب فيستكسى ولا سمل(٨)
  عدل من الدمع أن يبكي المصيف كما ... يبكى الشباب، ويبكي اللهو والغزل
(١) الخرق: السخيّ.
(٢) السابرية من الثياب: الرقيقة النسج الجيدة. وسحا القيض: قشر البيض الذي تحت القشرة الصلبة. والشجاع: الحية.
(٣) الرقراق: المتلألئ.
(٤) القصبي من الثياب: الرقيق الناعم من الكتان. وفي س: «وقسيا»، ولا يتفق مع وزن البيت إلا بتخفيف سينه، ولا يلائم المعنى هنا إلا «القسي» بشد السين، وهي ثياب من كتان مخلوط بحرير. وتسترجف: تحرك.
(٥) المتنتان: ما يجاور العمود الفقري من يمينه وشماله.
(٦) الأغر: الأبيض الوجه، يريد أنه سيد شريف كريم الفعال. والأروع: الشهم الذكي، ومن يعجبك بحسنه أو شجاعته.
(٧) يعفي عليها: يفوقها في القيمة. والصناع: المرأة الحاذقة في العمل بيديها، يقال رجع صنع، وامرأة صناع.
(٨) القشيب: الجديد من الثياب. والسمل: البالي.