كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي تمام ونسبه

صفحة 534 - الجزء 16

  يمنى الزمان انقضى معروفها وغدت ... يسراه وهي لنا من بعدها بدل

  فبلغت الأبيات أبا العميثل شاعر آل عبد اللَّه بن طاهر، فأتى أبا تمام، واعتذر إليه لعبد اللَّه بن طاهر، وعاتبه على ما عتب عليه من أجله، وتضمّن له ما يحبه. ثم دخل إلى عبد اللَّه، فقال: أيها الأمير، أتتهاون بمثل أبي تمّام وتجفوه؟

  فو اللَّه لو لم يكن له ماله من النباهة في قدره، والإحسان في شعره، والشائع من ذكره، لكان الخوف من شره، والتوقّي لذمه، يوجب على مثلك رعايته ومراقبته، فكيف وله بنزوعه إليك من الوطن، وفراقه السّكن، وقد قصدك عاقدا بك أمله، معملا إليك ركابه، متعبا فيك فكره وجسمه، وفي ذلك ما يلزمك قضاء حقه، حتى ينصرف راضيا؛ ولو لم يأت بفائدة، ولا سمع فيك منه ما سمع إلا قوله:

  تقول في قومس صحبي وقد أخذت ... منا السّرى وخطا المهريّة القود⁣(⁣١)

  أمطلع الشمس تبغي أن تؤمّ بنا ... فقلت كلَّا ولكن مطلع الجود

  / فقال له عبد اللَّه: لقد نبّهت فأحسنت، وشفعت فلطفت، وعاتبت فأوجعت، ولك ولأبي تمام العتبى، ادعه يا غلام. فدعاه، فنادمه يومه، وأمر له بألفي دينار، وما يحمله من الظَّهر، وخلع عليه خلعة تامة من ثيابه، وأمر ببذرقته⁣(⁣٢) إلى آخر عمله.

  أبو تمام لاقط للمعاني

  أخبرني جحظة قال: حدّثني ميمون بن هارون قال:

  مرّ أبو تمام بمخنّث يقول الآخر: جئتك أمس فاحتجبت عني، فقال له: السماء إذا احتجبت بالغيم رجّي خيرها. فتبينت في وجه أبي تمام أنه قد أخذ المعنى، ليضمنه⁣(⁣٣) في شعره، فما لبثنا إلا أياما حتى أنشدت قوله:

  ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا ... إنّ السماء ترجّى حين تحتجب

  اتهامه بسرقة قصيدة

  أخبرني أبو العباس أحمد بن وصيف، وأبو عبد اللَّه أحمد بن الحسن بن محمد الأصبهاني ابن عمي، قال:

  حدّثنا محمد بن موسى بن حماد قال:

  كنا عند دعبل أنا والقاسم⁣(⁣٤)، في سنة خمس وثلاثين ومئتين، بعد قدومه من الشأم، فذكرنا أبا تمام، فثلبه، وقال: هو سروق للشعر. ثم قال لغلامه: يا ثقيف، هات تلك المخلاة. فجاء بمخلاة فيها دفاتر، فجعل يمرّها على يده، حتى أخرج منها دفترا، فقال: اقرؤا هذا. فنظرنا فيه، قال مكنف أبو سلمى، من ولد زهير بن أبي سلمى، وكان هجا ذفافة العبسيّ بأبيات منها:


(١) قومس: صقع كبير بين خراسان وبلاد الجبل. والمهرية: الإبل المنسوبة إلى مهرة بن حيدان من اليمن، وكانت لا يعدل بها شيء في سرعتها (عن «تاج العروس»).

(٢) بذرقته: حراسته.

(٣) أ، م: لينظمه.

(٤) أ، م: والعمراوي.