كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار أبي الشيص ونسبه

صفحة 541 - الجزء 16

  استحقاق التحكيم والاختيار لجيد الكلام، ثم يقول لها: عدّي لي المخزيات، فتعدّ قوله:

  أغرّ أروع يستسقى الغمام به ... لو قارع الناس عن أحسابهم قرعا

  وما أشبهها من شعره. قال أبو الشيص: لا أفعل. إنها ليست عندي عقد درّ مفصّل، ولكني أكاثر بغيرها، ثم أنشده قوله:

  وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخّر عنه ولا متقدّم

  / الأبيات المذكورة، فقال له أبو نواس: قد أردت صرفك عنها، فأبيت أن تخلَّى عن سلبك، أو تدرك في هربك.

  قال: بل أقول في طلبي⁣(⁣١)، فكيف رأيت هذا الطراز؟ قال: أرى نمطا خسروانيا مذهبا حسنا، فكيف تركت:

  في رداء من الصّفيح صقيل ... وقميص من الحديد مذال⁣(⁣٢)

  قال: تركته كما ترك مختار الدّرتين إحداهما، بما سبق في ألحاظه، وزيّن في ناظره.

  تفضيل أبي نواس له

  أخبرني الحسن بن عليّ قال: حدّثني ابن مهرويه قال: حدّثني أبي قال:

  حدّثني من قال لأبي نواس: من أشعر طبقات المحدثين؟ قال: الذي يقول:

  يطوف علينا بها أحور ... يداه من الكأس مخضوبتان

  والشعر لأبي الشّيص.

  شعره في خادم أبي دلف العجلي

  أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبيّ قال: حدّثني الفضل بن موسى بن معروف الأصبهانيّ قال: حدّثني أبي قال:

  دخل أبو الشيص على أبي دلف وهو يلاعب خادما له بالشّطرنج، فقيل له: يا أبا الشيص، سل هذا الخادم أن يحلّ أزرار قميصه. فقال أبو الشيص: الأمير أعزه اللَّه أحق بمسألته. قال: قد سألنه، فزعم أنه يخاف العين على صدره، فقل فيه شيئا. فقال:

  وشادن كالبدر يجلو الدّجى ... في الفرق منه المسك مذرور

  / يحاذر العين على صدره ... فالجيب منه الدهر مزرور

  / فقال أبو دلف: وحياتي لقد أحسنت! وأمر له بخمسة آلاف درهم. فقال الخادم: قد واللَّه أحسن كما قلت، ولكنك أنت ما أحسنت! فضحك، وأمر له بخمسة آلاف أخرى.

  عشقه لقينة بغدادي

  أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال: حدّثنا الحسن بن عليل العنزيّ قال: حدّثني علي بن سعد بن إياس الشيبانيّ قال:


(١) يريد: أبيت أن يدركني أحد في طلبي لمعاني الشعر المبتكرات.

(٢) يظهر من السياق أن هذا البيت من قصيدة لأبي الشيص أعجب بها أبو نواس، ولكن أبا الشيص لم يذكرها في هذا المجلس.