كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الكميت ونسبه وخبره

صفحة 6 - الجزء 17

  مودته للطرماح مع اختلاف المذهب والعصبية

  قال ابن قتيبة في خبره خاصة: وكانت بينه وبين الطَّرمّاح خلطة ومودّة وصفاء لم يكن بين اثنين⁣(⁣١)، قال⁣(⁣٢):

  فحدّثني بعض أصحابه عن محمد بن سهل راوية الكميت، قال: أنشدت الكميت قول الطَّرمّاح:

  إذا قبضت نفس الطَّرمّاح أخلقت ... عرا المجد واسترخى عنان القصائد

  قال: إي واللَّه وعنان الخطابة والرواية. قال: وهذه الأحوال بينهما على تفاوت المذاهب والعصبيّة والدّيانة؛ كان الكميت شيعيّا عصبيّا عدنانيا من شعراء مضر، متعصّبا لأهل الكوفة، والطرمّاح خارجيّ صفريّ قحطانيّ عصبيّ لقحطان، من شعراء اليمن، متعصب لأهل الشام، فقيل لهما: ففيم اتفقتما هذا الاتفاق مع اختلاف سائر الأهواء⁣(⁣٣)؟ قال: اتفقنا على بغض العامة.

  علمه بأيام العرب وأشعارها

  أخبرني عمي قال: حدثني محمد بن سعد الكرانيّ، قال: حدّثنا أبو عمر العمريّ، عن لقيط، قال:

  اجتمع الكميت بن زيد وحمّاد الراوية في مسجد الكوفة، فتذاكرا أشعار العرب وأيّامها، فخالفه حماد في شيء ونازعه، فقال له الكميت: أتظنّ أنّك أعلم منّي بأيام العرب وأشعارها؟ قال: وما هو إلا الظنّ! هذا واللَّه هو اليقين. فغضب الكميت ثم قال له: لكم شاعر بصير، يقال له عمرو ابن فلان، تروي؟ ولكم شاعر أعور أو أعمى⁣(⁣٤) اسمه فلان ابن عمرو، تروي؟ فقال حماد قولا لما يحفظه: فجعل الكميت يذكر رجلا رجلا من صنف صنف، / ويسأل حمّادا: هل يعرفه؟ فإذا قال: لا، أنشده من شعره جزءا منه حتى ضجرنا.

  مساءلته حمادا عن شيء من الشعر وتفسيره

  ثم قال له الكميت: فإني سائلك عن شيء من الشّعر، فسأله عن قول الشاعر⁣(⁣٥):

  طرحوا أصحابهم في ورطة ... فذفك المقلة شطر المعترك⁣(⁣٦)

  فلم يعلم حمّاد تفسيره، فسأله عن قول الآخر:

  تدرّيننا بالقول حتى كأنما ... تدرّين ولدانا تصيد الرّهادنا

  فأفحم حمّاد، فقال له: قد أجّلتك إلى الجمعة الأخرى، فجاء حماد ولم يأت بتفسيرهما، وسأل الكميت أن يفسّرهما له، فقال: المقلة: حصاة أو نواة من نوى المقل يحملها القوم معهم إذا سافروا، وتوضع في الإناء ويصبّ عليها الماء حتى يغمرها، فيكون ذلك علامة يقتسمون بها الماء. والشّطر: النّصيب. والمعترك: الموضع الذي يختصمون فيه في الماء، فيلقونها هناك عند الشّرّ. وقوله: «تدرّيننا»، يعني النساء، أي ختلننا فرميننا. والرهادن:

  طير بمكة كالعصافير.


(١) الخبر في الشعر والشعراء ٥٦٢.

(٢) الخبر في الشعر والشعراء ٥٦٧.

(٣) في أ: «مع سائر اختلاف».

(٤) في المختار: «لكم شاعر أعمى يقال له فلان ابن عمر».

(٥) هو يزيد بن طعمة الخطمي. اللسان «مقل»، مجالس العلماء ٢١٦.

(٦) في أ: «وسط المعترك».