كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر ابن سريج مع سكينة بنت الحسين

صفحة 33 - الجزء 17

  أبدا. قال أشعب: فديتك هي مولاتي ولا بدّ لي منها، ولكن هل لك حيلة في أن تصير إليها وتغنّيها؛ فيكون ذلك سببا لرضاها عني؟ قال ابن سريج: كلَّا واللَّه لا يكون ذلك أبدا بعد أن تركته.

  قال أشعب: قد قطعت أملي ورفعت رزقي، وتركتني حيران بالمدينة، لا يقبلني أحد وهي ساخطة عليّ، فاللَّه اللَّه فيّ، وأنا أنشدك إلَّا تحمّلت هذا الإثم فيّ، فأبى عليه.

  حيلة أشعب لإرغامه

  فلما رأى أشعب أنّ عزم ابن سريج قد تمّ على الامتناع قال في نفسه: لا حيلة لي، وهذا خارج، وإن خرج هلكت، فصرخ صرخة آذن أهل المدينة لها، ونبّه الجيران من رقادهم، وأقام الناس من فرشهم، ثم سكت، فلم يدر الناس ما القصّة عند خفوت الصّوت بعد أن قد راعهم.

  فقال له ابن سريج: ويلك! ما هذا؟ قال: لئن لم تصر معي إليها / لأصرخنّ أخرى لا يبقى بالمدينة أحد إلَّا صار بالباب، ثم لأفتحنّه ولأرينّهم ما بي، ولأعلمنّهم أنك أردت تفعل كذا وكذا بفلان - يعني غلاما كان ابن سريج مشهورا به - فمنعتك، وخلَّصت الغلام من يدك حتى فتح الباب ومضى؛ ففعلت بي هذا غيظان وتأسّفا، وأنك إنما أظهرت النّسك والقراءة لتظفر بحاجتك منه، وكان أهل مكة والمدينة يعلمون حاله معه. فقال ابن سريج:

  اغرب، أخزاك اللَّه. قال أشعب: واللَّه الذي لا إله إلا هو، وإلا فما أملك صدقة⁣(⁣١)، وامرأته طالق⁣(⁣٢) ثلاثا، وهو نحير⁣(⁣٣) في مقام إبراهيم، والكعبة، وبيت النار، والقبر قبر أبي رغال⁣(⁣٤) إن أنت / لم تنهض معي في ليلتي هذه لأفعلنّ.

  قبوله الذهاب إلى منزل سكينة

  فلما رأى ابن سريج الجدّ منه قال لصاحبه: ويحك! أما ترى ما وقعنا فيه؟! وكان صاحبه الذي نزل عنده ناسكا؛ فقال: لا أدري ما أقول فيما نزل بنا من هذا الخبيث. وتذمّم ابن سريج من الرجل صاحب المنزل فقال لأشعب: اخرج من منزل الرجل. فقال: رجلي مع رجلك، فخرجا.

  / فلما صارا في بعض الطريق قال ابن سريج لأشعب: امض عنّي. قال: واللَّه لئن لم تفعل ما قلت لأصيحنّ الساعة حتى يجتمع الناس، ولأقولنّ: إنك أخذت مني سوارا من ذهب لسكينة على أن تجيئها فتغنّيها سرّا، وإنك كابرتني عليه وجحدتني، وفعلت بي هذا الفعل.

  فوقع ابن سريج فيما لا حيلة له فيه. فقال: أمضي، لا بارك اللَّه فيك. فمضى معه.


(١) في أ: «أصدقه».

(٢) في أ: «وامرأته الطلاق ثلاثا».

(٣) نحير، أي مذبوح؛ والكلمة محرفة في الأصول.

(٤) في القاموس: رغال، ككتاب وفي سنن أبي داود، ودلائل النبوة وغيرهما عن أبن عمر، سمعت رسول اللَّه حين خرجنا إلى الطائف، فمررنا بقبر، فقال: هذا قبر أبي رغال، وهو من ثقيف، وكان من ثمود، وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان، فدفن فيه. وقول الجوهري: «كان دليلا للحبشة حين توجهوا إلى مكة فمات في الطريق، غير جيد. وكذا قول ابن سيده:» كان عبدا لشعيب، وكان عشارا جائرا. (رغل).