خبر لبيد في مرثية أخيه
  منك، وأيم اللَّه لا أخافك بعد اليوم أبدا. قال: لا تعجل عليّ لا أبا لك! واللَّه ما هممت بالذي أمرتني به من مرّة إلا دخلت بيني وبين الرجل ما أرى غيرك! أفأضربك بالسيف! فقال عامر:
  بعث الرسول بما ترى فكأنما ... عمدا أشدّ على المقانب غارا(١)
  ولقد وردن بنا المدينة شزّبا ... ولقد قتلن بجوّها الأنصارا(٢)
  إصابة عامر بالطاعون وموته قبل عودته
  وخرجوا راجعين إلى بلادهم، حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث اللَّه على عامر الطاعون في عنقه، فقتله اللَّه، وإنه لفي بيت امرأة من بني سلول، فجعل يقول: يا بني عامر، أغدّة كغدّة البكر(٣)، وموت في بيت امرأة من بني سلول! فمات.
  صاعقة تحرق أربد
  ثم خرج أصحابه حين واروه حتى قدموا أرض بني عامر، فلما قدموا أتاهم قومهم فقالوا: ما وراءك يا أربد؟
  فقال: لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أنّه عندي الآن فأرميه بنبلي هذه حتى أقتله. فخرج بعد مقالته هذه بيوم أو يومين معه جمل له يبيعه، فأرسل اللَّه عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما.
  وكان أربد بن قيس أخا لبيد بن ربيعة لأمّه.
  وفود لبيد إلى الرسول
  نسخت من كتاب يحيى بن حازم، قال: حدثنا عليّ بن صالح صاحب المصلَّى، قال: حدّثنا ابن دأب، قال:
  كان أبو براء عامر بن مالك قد أصابته دبيلة(٤)، فبعث لبيد بن ربيعة إلى رسول اللَّه ﷺ، أهدى له رواحل، فقدم بها لبيد، وأمره أن يستشفيه من وجعه، فقال له رسول اللَّه ﷺ: / لو قبلت من مشرك لقبلت منه، وتناول من الأرض مدرة(٥) فتفل عليها، ثم أعطاها لبيدا، وقال: دفها(٦) له بماء ثم اسقه إياه.
  يقرأ القرآن ويكتب سورة الرحمن
  وأقام عندهم لبيد يقرأ القرآن وكتب منهم: {الرَّحْمنُ ١ عَلَّمَ الْقُرْآنَ}(٧) فخرج بها، ولقيه أخوه أربد على ليلة من الحيّ، فقال له: انزل فنزل، فقال: يا أخي، أخبرني عن هذا الرجل؛ فإنه لم يأته رجل أوثق عندي فيه قولا منك. فقال: يا أخي، ما رأيت مثله - وجعل يذكر صدقه وبرّه وحسن حديثه. فقال له: هل معك من قوله شيء؟
  قال: نعم، فأخرجها له فقرأها / عليه، فلما فرغ منها قال له أربد: لوددت أني ألقى الرحمن بتلك البرقة(٨)، فإن لم أضربه بسيفي فعليّ وعليّ ...
(١) المقانب: جمع مقنب، كمنبر، وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين. وفي أ: «المعايب» تصحيف.
(٢) شزّبا: ضمرا.
(٣) في المختار: كعدة البعير.
(٤) الدبيلة، كجهينة: داء في الجوف.
(٥) المدر: قطع الطين اليابس، واحدتها بهاء.
(٦) دفها: أخلطها.
(٧) سورة الرحمن: ١، ٢.
(٨) البرقة: أرض غليظة بحجارة ورمل. وفي أ: «البرقة»، بفتح الباء.