خبر لبيد في مرثية أخيه
  قال: ونشأت سحابة وقد خلَّيا عن بعيريهما، فخرج أربد يريد البعيرين، حتى إذا كان عند تلك البرقة غشيته صاعقة فمات.
  وقد لبيد على أبي براء فأخبره خبر رسول اللَّه ﷺ، وأمره، قال: فما فعل فيما استشفيته؟ قال: تاللَّه ما رأيت منه شيئا كان أضعف عندي من ذلك، وأخبره بالخبر. قال: فأين هي؟ قال: ها هي ذه معي. قال: هاتها، فأخرجها له فدافها، ثم شربها فبرأ.
  رواية أخرى في وفوده على الرسول
  قال ابن دأب: فحدّثني حنظلة بن قطرب بن إياد، أحد بني أبي بكر بن كلاب، قال:
  لما أصاب عامر بن الطفيل ما أصابه، بعث بنو عامر لبيدا، وقالوا له: اقدم لنا على هذا الرجل فاعلم لنا علمه. فقدم عليه، فأسلم، وأصابه وجمع هناك شديد من حمّى، فرجع إلى قومه بفضل تلك الحمّى، وجاءهم بذكر البعث والجنة والنار، فقال سراقة بن عوف بن الأحوص:
  لعمر لبيد إنه لابن أمّه ... ولكن أبوه مسّه قدم العهد
  دفعناك في أرض الحجاز كأنما ... دفعناك فحلا فوقه قزع اللَّبد(١)
  فعالجت حمّاه وداء ضلوعه ... وترنيق عيش مسّه طرف الجهد
  وجئت بدين الصابئين تشوبه ... بألواح نجد بعد عهدك من عهد!
  وإنّ لنا دارا - زعمت - ومرجعا ... وثمّ إياب القارظين وذي البرد
  / قال: فكان عمر يقول: وأيم اللَّه، إياب القارظين(٢) وذي البرد.
  وفود عامر بن الطفيل على رسول اللَّه
  أخبرني عبد العزيز بن أحمد عمّ أبي، وحبيب بن نصر المهلَّبي، وغيرهما، قالوا: حدثنا الزّبير بن بكَّار، قال:
  حدّثتني ظمياء بنت عبد العزيز بن مولة، قالت(٣):
  حدثني أبي، عن جدّي مولة بن كثيف، أنّ عامر بن الطفيل أتى رسول اللَّه ﷺ فوسّده وسادة، ثم قال: أسلم يا عامر. قال: على أنّ لي الوبر ولك المدر، فأبى رسول اللَّه ﷺ، فقام عامر مغضبا فولَّى، وقال: لأملأنّها عليك خيلا جردا، ورجالا مردا، ولأربطنّ بكل نخلة فرسا. فسألته عائشة: من هذا؟ فقال: هذا عامر بن الطفيل، والذي نفسي بيده لو أسلم فأسلمت بنو عامر معه لزاحموا قريشا على منابرهم. قال: ثم دعا رسول اللَّه ﷺ، وقال: يا قوم، إذا دعوت فأمّنوا، فقال: اللهم اهد بني عامر، واشغل عنّي عامر بن الطفيل بما شئت، وكيف شئت، وأنّى شئت.
  موت عامر بن الطفيل
  فخرج فأخذته غدّة مثل غدّة البكر، فجعل يثب وينزو في السماء ويقول: يا موت ابرز لي، ويقول: غدّة مثل غدّة البكر، وموت في بيت سلوليّة؟! ومات.
(١) اللبد: ما يجعل على ظهر الفرس. والقزع: بقايا الشعر.
(٢) القارظان: رجلان خرجا في طلب القرظ، يجنيانه، فلم يرجعا، فضرب بهما المثل في انقطاع الغيبة.
(٣) في أ: قال «وحدّثني».