خبر لإسحاق وابن هشام
  السماع من الفقهاء والأشراف، فأعلمني رأيك فيما تشتهي لأعمل على قدر ذلك، إن شاء اللَّه.
  وقد بعثت إليك بأنموذج، فإن كان كما قال القائل: «قبح اللَّه كلّ دنّ أوّله درديّ»(١)، لم نتجشّم إتمامه، وربحنا العناء(٢) فيه، وإن كان كما قال العربيّ: «إن الجواد عينه فراره»(٣) أعلمتنا؛ فأتممناه مسرورين بحسن رأيك فيه، «إن شاء اللَّه».
  وهذا مما يدلّ على أنّ «كتاب الأغاني» المنسوب إلى إسحاق ليس له؛ وإنما ألف ما رواه حماد ابنه عنه من دواوين القدماء، غير مختلط بعضها ببعض.
  وحشة بعد ألفة
  وكان إسحاق يألف عليّا وأحمد ابني هشام وسائر أهلهما إلفا شديدا، / ثم وقعت بينهم نبوة ووحشة في أمر لم يقع إلينا إلَّا لمعا غير مشروحة، فهجاهم هجاء كثيرا، وانفرجت الحال بينه وبينهم.
  شعره في مصعب وصباح
  فأخبرني محمد بن خلف وكيع ويحيى بن عليّ بن يحيى وغيرهما، عن أبي أيوب سليمان المدينيّ، عن مصعب، قال:
  قال لي أحمد بن هشام: أما تستحي أنت وصباح بن خاقان، وأنتما شيخان من مشايخ المروءة والعلم والأدب أن شبّب بذكركما إسحاق في الشعر، وهو مغنّ مذكور، فيقول:
  قد نهانا مصعب وصباح ... فعصينا مصعبا وصباحا
  عذلا ما عذلا أم ملاما ... فاسترحنا منهما فاستراحا
  ويروى:
  علما في العذل أم قد ألاما
  ويروى:
  عذلا عذلهما ثم أناما
  / فقلت: إن كان فعل فما قال إلَّا خيرا، إنما ذكر أنّا نهيناه عن خمر شربها، وامرأة عشقها، وقد أشاد باسمك في الشعر بأشدّ من هذا، قال: وما هو؟ قلت: قوله:
  شعره في عيّ أحمد بن هشام
  وصافية تغشى(٤) العيون رقيقة ... رهينة عام في الدّنان وعام
(١) دردى الزيت وغيره: ما يبقى في أسفله، وأصل معناه ما يركد في أسفل كل مائع كالأشربة والأدهان.
(٢) في أ: «الغناء».
(٣) في «اللسان»: من أمثالهم: إن الجواد عينه فراره، أي يغنيك شخصه ومنظرة عن أن تختبره وأن تفر أسنانه. وفي «اللسان - فرر»:
رواه الجوهري بالفتح، وعن أبي سعيد السيرافي أنه كان يكسر الفاء ويقول: قد لج في ضم الفاء من لا يعتد به. وانظر المستقصى ١/ ٣١٥.
(٤) في أ: «تعشى العيون».