كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر مقتل حجر بن عدي

صفحة 91 - الجزء 17

  قوم المغيرة يلومونه في احتماله إياه

  فنزل المغيرة ودخل القصر، فاستأذن عليه قومه، ودخلوا ولاموه / في احتماله حجرا، فقال لهم: إني قد قتلته. قالوا: وكيف ذلك!؟ قال: إنه سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي فيصنع به شبيها بما ترونه، فيأخذه عند أوّل وهلة فيقتله شرّ قتلة. إنه قد اقترب أجلي، وضعف عملي، وما أحبّ أن أبتدئ أهل هذا المصر بقتل خيارهم وسفك دمائهم، فيسعدوا بذلك وأشقى، ويعزّ معاوية في الدنيا ويذلّ المغيرة في الآخرة، سيذكرونني لو قد حرّبوا العمّال.

  قال الحسن بن عقبة: فسمعت شيخا من الحيّ يقول: قد واللَّه جرّبناهم فوجدناه خيرهم.

  زياد يذكره بصداقته ويحذره ما كان يفعل مع المغيرة

  قال: ثم هلك المغيرة سنة خمسين، فجمعت الكوفة والبصرة لزياد، فدخلها، ووجّه إلى حجر فجاءه، وكان له قبل ذلك صديقا، فقال له: قد بلغني ما كنت تفعله بالمغيرة فيحتمله منك؛ وإني واللَّه لا أحتملك⁣(⁣١) على مثل ذلك أبدا، أرأيت ما كنت تعرفني به من حبّ عليّ وودّه، فإنّ اللَّه قد سلخه من صدري فصيّره بغضا وعداوة، وما كنت تعرفني به من بغض معاوية وعداوته فإنّ اللَّه قد سلخه من صدري وحوّله حبّا ومودّة / وإني أخوك الذي تعهد، إذا أتيتني وأنا جالس للناس فاجلس معي على مجلسي، وإذا أتيت ولم أجلس للناس فاجلس حتى أخرج إليك، ولك عندي في كل يوم حاجتان: حاجة غدوة، وحاجة عشيّة، إنك إن تستقم تسلم لك دنياك ودينك، وإن تأخذ يمينا وشمالا تهلك نفسك وتشط⁣(⁣٢) عندي دمك، إني لا أحبّ التنكيل قبل التقدمة، ولا آخذ بغير حجّة، اللهم أشهد. فقال حجر: لن يرى الأمير منّي إلَّا ما يحبّ، وقد نصح، وأنا قابل نصيحته.

  ثم خرج من عنده، فكان يتّقيه ويهابه، وكان زياد يدنيه ويكرمه ويفضّله، والشيعة تختلف إلى حجر وتسمع منه.

  زياد ينذره قبل خروجه إلى البصرة

  وكان زياد يشتو بالبصرة، ويصيف بالكوفة، ويستخلف على البصرة سمرة بن جندب، وعلى الكوفة عمرو بن حريث، فقال له عمارة بن عقبة: إنّ الشيعة تختلف إلى حجر، وتسمع منه، ولا أراه عند خروجك إلَّا ثائرا، فدعاه زياد فحذّره ووعظه. وخرج إلى البصرة، واستعمل عمرو بن حريث، فجعلت الشيعة تختلف إلى حجر، ويجيء حتى يجلس في المسجد فتجتمع إليه الشيعة، حتى يأخذوا ثلث المسجد أو نصفه، وتطيف بهم النظَّارة، ثم يمتلئ المسجد، ثم كثروا، وكثر لغطهم، وارتفعت أصواتهم بذمّ معاوية وشتمه ونقص⁣(⁣٣) زياد. وبلغ ذلك عمرو بن حريث، فصعد المنبر، واجتمع إليه أشراف أهل المصر فحثّهم على الطاعة والجماعة. وحذّرهم الخلاف؛ فوثب إليه عنق⁣(⁣٤) من أصحاب حجر يكبّرون ويشتمون، حتى دنوا / منه، فحصبوه وشتموه حتى نزل ودخل القصر، وأغلق عليه بابه، وكتب إلى زياد بالخبر، فلما أتاه أنشد يتمثّل بقول كعب بن مالك:


(١) في م: «احتمله».

(٢) أشاط دمه: عرضه للقتل.

(٣) في م: «وقصف زياد»، والقصف معناه الكسر، يريد الانتقاص.

(٤) العنق: الجماعة من الناس.