كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عزة الميلاء

صفحة 116 - الجزء 17

  لها: غنّيه إياه، فغنّته؛ فصعق الرجل، وخرّ مغشيّا عليه. فقال ابن جعفر: أثمنا فيه، الماء، الماء! فنضح على وجهه، فلما أفاق قال له: أكلّ هذا بلغ بك عشقها؟ قال: وما خفي عنك أكثر. قال: أفتحبّ أن تسمعه منها؟

  قال: قد رأيت ما نالني حين سمعته من غيرها، وأنا لا أحبّها، فكيف يكون حالي إن سمعته منها، وأنا لا أقدر على ملكها! قال: أفتعرفها إن رأيتها؟ قال: أو أعرف غيرها! فأمر بها فأخرجت، وقال: خذها فهي لك، واللَّه ما نظرت إليها إلا عن عرض. فقبّل الرجل يديه ورجليه، وقال: أنمت عيني، وأحييت نفسي، وتركتني أعيش بين قومي، ورددت إليّ عقلي، ودعا له دعاء كثيرا. فقال: ما أرضى أن أعطيكها هكذا، يا غلام احمل معها مثل ثمنها لكيلا تهتمّ به ويهتمّ بها.

  نسبة هذا الصوت

  صوت

  بانت سعاد وأمسى حبلها انقطعا ... واحتلَّت الغور فالجدّين فالفرعا⁣(⁣١)

  وأنكرتني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلَّا الشّيب والصّلعا

  عروضه من البسيط، والشعر للأعشى، أعشى بني قيس بن ثعلبة.

  الأصمعي ينحل الأعشى بيتا من الشعر

  وزعم الأصمعيّ أن البيت الثاني هو صنعه ونحله الأعشى.

  أخبرنا محمد بن العباس اليزيديّ، عن عمه، عن عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيّ، عن عمه، قال:

  ما نحلت أحدا من الشعراء شيئا قطَّ لم يقله إلَّا بيتا واحدا نحلته الأعشى، وهو:

  وأنكرتني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلا الشّيب والصّلعا

  الغناء لعزّة الميلاء، خفيف ثقيل أول بالوسطى؛ وذكر عمرو بن بانة أنه لمعبد، وأنكر إسحاق ذلك ودفعه، وفيه للغريض ثقيل أول بالبنصر، وقيل: إنه لجميلة.

  عبد اللَّه بن جعفر يطلب من أمير المدينة ألا يمنع عزة من الغناء

  قال إسحاق: وحدثني ابن سلَّام، عن ابن جعدبة، قال:

  كان ابن أبي عتيق معجبا بعزّة الميلاء، فأتى يوما عند عبد اللَّه بن جعفر، فقال له: بأبي أنت وأمي! هل لك في عزّة، فقد اشتقت إليها! قال: لا، أنا اليوم مشغول. فقال: بأبي أنت وأمي! إنها لا تنشط إلَّا بحضورك، فأقسمت عليك إلَّا ساعدتني وتركت شغلك، ففعل، فأتياها ورسول الأمير على / بابها يقول لها: دعي الغناء، فقد ضجّ أهل / المدينة منك، وذكروا أنك قد فتنت رجالهم ونساءهم. فقال له ابن جعفر: ارجع إلى صاحبك فقل له عنّي: أقسم عليك إلَّا ناديت في المدينة: أيّما رجل فسد أو امرأة فتنت بسبب عزّة إلَّا كشف نفسه بذلك لنعرفه، ويظهر لنا ولك أمره. فنادى الرسول بذلك، فما أظهر أحد نفسه. ودخل ابن جعفر إليها وابن أبي عتيق معه، فقال لها: لا يهولنّك ما سمعت، وهاتي فغنّينا، فغنّته بشعر القطاميّ⁣(⁣٢):


(١) ديوان الأعشى ١٠١.

(٢) الجمهرة ٨٠٢.