خبر ليزيد بن معاوية
  يزيد وعنبسة في حضرة معاوية وهو يحتضر
  فلما احتضر معاوية حضره يزيد بن معاوية، وعنبسة بن أبي سفيان، فبكى يزيد إلى عنبسة، وقال:
  لو فات شيء يرى لفات أبو ... حيّان(١) لا عاجز ولا وكل
  الحوّل القلَّب الأريب ولن ... يدفع زوء المنية الحيل(٢)
  / فسمعهما معاوية بعد أن ردّدهما مرارا، فقال: يا بنيّ، إنّ أخوف ما أخاف على نفسي شيء صنعته قبل ذلك، إني كنت أوضّئ رسول اللَّه ﷺ، فكساني قميصا، وأخذت شعرا من شعره، فإذا أنا متّ فكفّنّي في قميصه، واجعل الشّعر في منخري وأذني وفمي، وخلّ بيني وبين ربّي، لعل ذلك ينفعني شيئا.
  قال العباس بن ميمون: فقلت للقحذميّ: هذا غلط، والدليل على ذلك أنّ أبا عدنان حدثني - وها هو حيّ فاسأله - عن الهيثم بن عديّ، عن ابن عياش، عن الشعبيّ:
  / أنّ معاوية مات ويزيد بالصائفة، فأتاه البريد بنعيه، فأنشأ يقول:
  جاء البريد بقرطاس يخبّ به ... فأوجس القلب من قرطاسه فزعا
  قلنا: لك الويل، ماذا في صحيفتكم؟ ... قال: الخليفة أمسى مثبتا وجعا
  مادت بنا الأرض أو كادت تميد بنا ... كأنّ ما عزّ من أركانها انقلعا
  من لم تزل نفسه توفي على وجل(٣) ... توشك مقادير تلك النفس أن تقعا
  لما وردت وباب القصر منطبق ... لصوت رملة هدّ القلب فانصدعا
  الضحاك بن قيس يتولى غسل معاوية ودفنه
  وكان الذي تولَّى غسله ودفنه الضحاك بن قيس، فخطب الناس، فقال: إنّ ابن هند قد توفّي، وهذه أكفانه على المنبر، ونحن مدرجوه فيها، ومخلَّون بينه وبين ربّه، ثم هو البرزخ إلى يوم القيامة. ولو كان يزيد حاضرا لم يكن للضحاك ولا غيره أن يفعل من هذا شيئا.
  قال العباس: فسكت القحذميّ، وما ردّ عليّ شيئا.
  عبد اللَّه بن الزبير يرثي معاوية
  أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء، قال: حدثني الزّبير بن بكَّار، قال: حدثني عمّي، عن جدّي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال:
  صلَّى بنا عبد اللَّه بن الزّبير يوما، ثم انفتل من الصلاة، فنشج(٤)، وكان قد نعي له معاوية، ثم قال: رحم اللَّه
(١) أ: «حبان»، والمثبت من ج، م، ب، س.
(٢) في «اللسان» (زوأ): زوه المنية: ما يحدث من المنية. وفي هامش أ: «زوء المنية: قدرها».
(٣) أ: فوقها «شرف»، وعليها علامة الصحة.
(٤) نشج الباكي: غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب.