حلف الفضول
  فقام العباس وأبو سفيان حتى ردّا عليه. واجتمعت بطون قريش، فتحالفوا على ردّ الظلم بمكة، وألا يظلم رجل بمكة إلَّا منعوه، وأخذوا له بحقه، وكان حلفهم في دار ابن جدعان، فكان رسول اللَّه ﷺ يقول: «لقد شهدت حلفا في دار ابن جدعان ما أحبّ أنّ لي به حمر النّعم، ولو دعيت به(١) لأجبت».
  فقال قوم من قريش: هذا واللَّه فضل من الحلف؛ فسمّى حلف الفضول.
  قال: وقال آخرون: تحالفوا على مثل حلف تحالف عليه قوم من جرهم في هذا الأمر ألَّا يقرّوا ظلما ببطن مكة إلَّا غيّروه، وأسماؤهم الفضل بن شراعة، والفضل بن قضاعة، والفضل بن سماعة(٢).
  / قال: وحدثني محمد بن فضالة، عن عبد اللَّه بن سمعان، عن ابن شهاب، قال:
  كان شأن حلف الفضول أنّ بدء ذلك أنّ رجلا من بني زبيد قدم مكة معتمرا في الجاهلية ومعه تجارة له، فاشتراها منه رجل من بني سهم، فأواها إلى بيته، ثم تغيّب، فابتغى متاعه الزّبيديّ، فلم يقدر عليه، فجاء إلى بني سهم يستعديهم عليه، فأغلظوا عليه، فعرف أن لا سبيل إلى ماله؛ فطوّف في قبائل قريش يستعين بهم، فتخاذلت القبائل عنه، فلما رأى ذلك أشرف على أبي قبيس حين أخذت قريش مجالسها في المسجد، ثم قال:
  يا آل فهر لمظلوم بضاعته ... ببطن مكَّة نائي الدار والنّفر
  ومحرم شعث لم يقض عمرته ... يا إل فهر وبين الحجر والحجر
  أقائم من بني سهم بخفرتهم(٣) ... فعادل أم ضلال مال معتمر
  الحلف ينعقد في دار عبد اللَّه بن جدعان ورسول اللَّه معهم
  فلما نزل أعظمت قريش ذلك، فتكلموا فيه، فقال المطيّبون: واللَّه لئن قمنا في هذا ليغضبنّ الأحلاف، وقال الأحلاف: واللَّه لئن تكلَّمنا في هذا ليغضبنّ المطيّبون، وقال ناس من قريش: تعالوا فليكن حلفا فضولا دون المطيّبين ودون الأحلاف، فاجتمعوا في دار عبد اللَّه بن جدعان، وصنع لهم طعاما يومئذ كثيرا، وكان رسول اللَّه ﷺ يومئذ معهم، قبل أن يوحي اللَّه إليه، وهو ابن خمس وعشرين سنة. فاجتمعت بنو هاشم وأسد / وزهرة وتيم، وكان الذي تعاقد عليه القوم: تحالفوا على ألَّا يظلم بمكة غريب ولا قريب ولا حرّ ولا عبد إلَّا كانوا معه، حتى يأخذوا له بحقّه، ويؤدّوا إليه مظلمته من أنفسهم ومن غيرهم، ثم عمدوا إلى ماء من زمزم فجعلوه / في جفنة، ثم بعثوا، به إلى البيت، فغسلت به أركانه، ثم أتوا به فشربوه.
  الرسول يشيد بحلف الفضول
  قال: فحدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أمّ المؤمنين ^:
  أنها سمعت رسول اللَّه ﷺ يقول: «لقد شهدت في دار عبد اللَّه بن جدعان حلف الفضول، أما لو دعيت إليه اليوم لأجبت، وما أحبّ أنّ لي به حمر النّعم، وأني نقضته».
  قال: وحدثني عمر بن عبد العزيز العنبسيّ(٤) أنّ الذي اشترى من الزّبيديّ المتاع العاص بن وائل السّهميّ.
(١) في المختار: «ولو دعيت له اليوم».
(٢) كذا في م، وهامش أ: وورد فيهما بعده: «فلان سقط من الكتاب»، وفي ب، س، ج، أ: الفضل بن فلان. سقط من الكتاب.
(٣) أ: «هل مخفر من بني سهم بخفرتهم». والخفرة: الذمة.
(٤) كذا في أ، ج، وفي ب، س، م: «العبسي».