كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر عبد الرحمن بن أبي بكر

صفحة 231 - الجزء 17

  المسلمين، وقتلوا أباها أصابوها، فقال المسلمون لأبي بكر: يا خليفة رسول اللَّه! أعط هذه الجارية عبد الرحمن، فقد سلَّمناها له، قال أبو بكر: أكلَّكم⁣(⁣١) على هذا؟ قالوا: نعم، فأعطاه إياها، وكان لها بساط في بلدها لا تذهب إلى الكنيف ولا إلى الحاجة إلَّا بسط لها، ورمي بين يديها برمّانتين من ذهب تتلهّى بهما في طريقها. فكان عبد الرحمن إذا خرج من عندها، ثم رجع إليها رأى في عينيها أثر البكاء، فيقول: ما يبكيك؟ اختاري خصالا أيها شئت فعلت بك: إما أن أعتقك وأنكحك، فتقول: لا أشتهيه، وإن شئت رددتك على قومك، قالت: ولا أريد، وإن أحببت رددتك على المسلمين، قالت: لا أريد، قال: فأخبريني ما يبكيك؟ قالت: أبكي الملك من يوم⁣(⁣٢) البؤس.

  أخبرني أحمد، قال: حدثني أبو زيد، قال: حدثني هارون بن إبراهيم بن معروف، قال: حدثني حمزة بن ربيعة، عن العلاء بن هارون، عن / عبد اللَّه بن عون⁣(⁣٣)، عن يحيى بن يحيى الغسانيّ:

  أنّ عبد الرحمن قدم على يعلى بن منبّه، وهو على اليمن، فوجدها في السّبي، فسأله أن يدفعها إليه.

  شعر آخر له في ليلى

  أخبرني أحمد، قال: حدّثنا عمر، قال:

  كتب إليّ محمد بن زياد بن عبيد اللَّه يذكر أن عبد الرحمن قال فيها:

  فإمّا تصبحي بعد اقتراب ... بسلع أو ثنيّات الوداع

  فلم ألفظك من شبع ولكن ... لأقضي حاجة النفس الشّعاع⁣(⁣٤)

  / كأنّ جوانح الأضلاع منّي ... بعيد النوم مبطنة اليراع

  عائشة ترثيه

  أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ، قال: حدثنا عمر بن شبّة، قال: حدثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدثنا عبد اللَّه بن لاحق، عن⁣(⁣٥) أبي مليكة، قال:

  مات عبد الرحمن بن أبي بكر ¥ بالحبشيّ - جبل من مكَّة على أميال⁣(⁣٦) - فحمل فدفن بمكة، فقدمت عائشة فوقفت على قبره، ثم قالت⁣(⁣٧):

  وكنّا كندماني جذيمة حقبة ... من الدّهر حتى قيل لن يتصدّعا

  فلما تفرّقنا كأنّي ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

  أما واللَّه لو حضرتك لدفنتك حيث متّ، ولو شهدتك لزرتك⁣(⁣٨).


(١) كذا في ف وهو الوجه، وفي أ، ب: «أكلمكم».

(٢) ف: «أبكي للملك في يوم البؤس».

(٣) ف: «عوف».

(٤) نفس شعاع: متفرقة، وقد ورد هذا البيت في «اللسان» (شعع) منسوبا إلى قيس بن ذريح، وفيه: «أقضي».

(٥) في ف: «لاحق بن أبي مليكة».

(٦) في البلدان: «جبل بأسفل مكة بنعمان الأراك».

(٧) البلدان (حبشي).

(٨) أ، ف: «ما زرتك»، وفي المختار: «لما زرتك».