كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار حاتم ونسبه

صفحة 234 - الجزء 17

  القامة، درماء⁣(⁣١) الكعبين، خدلَّجة الساقين، لفّاء الفخذين، خميصة الخصر، ضامرة الكشحين، مصقولة المتنين.

  فلما رأيتها أعجبت بها، فقلت: لأطلبنّها إلى رسول اللَّه ليجعلها من فيئي. فلما تكلَّمت أنسيت جمالها؛ لما سمعت من فصاحتها، فقالت:

  يا محمد، هلك الوالد، وغاب الوافد؛ فإن رأيت أن تخلي عنّي، فلا تشمت بي أحياء العرب؛ فإني بنت سيّد قومي، كان أبي يفكّ العاني، ويحمي الذمار، ويقري الضيف، ويشبع الجائع، ويفرّج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يردّ طالب حاجة قط؛ أنا بنت حاتم طيئ.

  فقال لها رسول اللَّه : يا جارية، هذه صفة المؤمن، / لو كان أبوك إسلاميّا لترحمنا عليه، خلَّوا عنها؛ فإنّ أباها كان يحبّ مكارم الأخلاق، واللَّه يحبّ مكارم الأخلاق⁣(⁣٢).

  نسب أم حاتم

  وأمّ حاتم عتبة⁣(⁣٣) بنت عفيف بن عمرو بن امرئ القيس بن عديّ بن أخزم. وكانت في الجود بمنزلة حاتم، لا تدّخر شيئا ولا يسألها أحد شيئا فتمنعه.

  بلغ من سخائها أن حجر عليها إخوتها

  أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: أخبرنا الحرمازيّ⁣(⁣٤)، عن العباسي بن هشام، عن أبيه، قال:

  كانت عتبة بنت عفيف، وهي أمّ حاتم ذات يسار، وكانت من أسخى الناس، وأقراهم للضيف، وكانت لا تليق⁣(⁣٥) شيئا تملكه. فلما رأى إخوتها إتلافها حجروا عليها، ومنعوها مالها، فمكثت دهرا لا يدفع إليها شيء منه، حتى إذا ظنّوا أنها قد وجدت ألم ذلك أعطوها صرمة⁣(⁣٦) من إبلها، فجاءتها امرأة من هوازن كانت تأتيها في كلّ سنة تسألها، فقالت لها: دونك هذه الصّرمة فخذيها، فو اللَّه لقد عضّني⁣(⁣٧) من الجوع ما لا أمنع منه سائلا أبدا، ثم أنشأت تقول⁣(⁣٨):

  من شعرها وقد سألتها امرأة من هوازن

  :

  لعمري لقدما عضّني الجوع عضّة ... فآليت ألَّا أمنع الدّهر جائعا

  فقولا لهذا اللائمي اليوم: أعفني ... فإن أنت لم تفعل فعضّ الأصابعا

  فماذا عساكم أن تقولوا لأختكم ... سوى عذلكم أو عذل من كان مانعا


(١) أ، ب: «ردماء»، تحريف. وامرأة درماء: لا تستبين كعوبها ومرافقها. وخدلجة: ممتلئة.

(٢) سيرة ابن هشام ٤: ٢٧٤.

(٣) في الشعر والشعراء: عنبة. وفي ف: «غنية».

(٤) كذا في ف. وفي الديوان وباقي النسخ: «الجرموزي».

(٥) كذا في ف والديوان وفي أ: «لا تملك»، وفي ب: «لا تمسك».

(٦) الصرمة: القطعة من الإبل ما بين العشر إلى الثلاثين، أو إلى الخمسين والأربعين، أو ما بين العشرة إلى الأربعين، أو ما بين عشرة إلى بضع عشرة. «القاموس».

(٧) ف: مضني.

(٨) ديوانه ٤٢.