أخبار حاتم ونسبه
  /
  وماذا ترون(١) اليوم إلَّا طبيعة ... فكيف بتركي يا بن أمّ الطَّبائعا
  سفانة ابنته من أجود نساء العرب
  قال ابن الكلبيّ: وحدثني أبو مسكين قال:
  كانت سفّانة بنت حاتم من أجود نساء العرب، وكان أبوها يعطيها الصّرمة بعد الصّرمة من إبله، فتنهبها وتعطيها الناس، فقال لها حاتم: يا بنية، إنّ القرينين إذا اجتمعا في المال أتلفاه، فإما أن أعطي وتمسكي، أو أمسك وتعطي؛ فإنه لا يبقى على هذا شيء.
  شعره يشبه جوده
  قال ابن الأعرابيّ:
  كان حاتم من شعراء العرب، وكان جوادا يشبه / شعره جوده، ويصدّق قوله فعله، وكان حيثما نزل عرف منزله، وكان مظفّرا، إذا قاتل غلب، وإذا غنم أنهب، وإذا سئل وهب، وإذا ضرب بالقداح فاز، وإذا سابق سبق، وإذا أسر أطلق، وكان يقسم باللَّه ألَّا يقتل واحد أمّه.
  وكان إذا أهلّ الشهر الأصمّ(٢) الذي كانت مضر تعظَّمه في الجاهلية ينحر في كلّ يوم عشرا من الإبل، فأطعم الناس واجتمعوا إليه، فكان ممّن يأتيه من الشعراء الحطيئة، وبشر بن أبي خازم.
  فذكروا أن أمّ حاتم أوتيت وهي حبلى في المنام، فقيل لها: أغلام سمح يقال له: حاتم أحبّ إليك أم عشرة غلمة كالناس، ليوث ساعة البأس، ليسوا بأوغال ولا أنكاس(٣)، فقالت: بل حاتم، فولدت حاتما.
  لا يأكل إلا إذا وجد من يأكل معه
  فلما ترعرع جعل يخرج طعامه، فإن وجد من يأكله معه أكل، وإن لم يجد / طرحه. فلما رأى أبوه أنه يهلك طعامه قال: له الحق بالإبل، فخرج إليها، ووهب له جارية وفرسا وفلوها(٤)، فلما أتى الإبل طفق يبغي الناس فلا يجدهم، ويأتي الطريق فلا يجد عليه أحدا.
  عبيد بن الأبرص وبشر بن أبي خازم والنابغة الذبياني يمتدحونه فيهب لهم إبل جده كلها
  فبينا هو كذلك إذ بصر بركب على الطريق، فأتاهم فقالوا: يا فتى هل من قرى؟ فقال: تسألوني عن القرى وقد ترون الإبل؟ وكان الذين بصر بهم عبيد بن الأبرص، وبشر بن أبي خازم، والنابغة الذبيانيّ؛ وكانوا يريدون النعمان، فنحر لهم ثلاثة من الإبل، فقال عبيد: إنما أردنا بالقرى اللبن، وكانت تكفينا بكرة إذا كنت لا بدّ متكلَّفا لنا شيئا، فقال حاتم: قد عرفت، ولكني رأيت وجوها مختلفة، وألوانا متفرّقة، فظننت أن البلدان غير واحدة؛ فأردت أن يذكر كلّ واحد منكم ما رأى إذا أتى قومه، فقالوا فيه أشعارا امتدحوه بها، وذكروا فضله. فقال حاتم: أردت أن
(١) ف: «وما إن ترون»، أ: «وما ترون»، وفي الديوان: «ولا ما ترون إلا ... طبائعا».
(٢) قال في «القاموس»: «رجب الأصم، لأنه لا ينادي فيه:» يا لفلان! ويا صباحاه «!.
(٣) أوغال: جمع وغل، وهو الضعيف النذل الساقط المقصر. والأنكاس: جمع نكس، وهو الضعيف المقصر عن غاية الكرم، وفي ف: «بأوغاد».
(٤) الفلو: المهر إذا فطم.