كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار حاتم ونسبه

صفحة 252 - الجزء 17

  أصابت الناس / سنة، فأذهبت الخفّ والظَّلف، فإني وإياه ليلة قد أسهرنا الجوع، قالت: فأخذ عديّا وأخذت سفّانة، وجعلنا نعلَّلهما حتى ناما، ثم أقبل عليّ يحدّثني ويعلَّلني بالحديث كي أنام، فرققت له لما به من الجهد، فأمسكت عن كلامه لينام، فقال لي: أنمت؟ مرارا، فلم أجب، فسكتّ فنظر في فتق الخباء فإذا شيء قد أقبل، فرفع رأسه فإذا امرأة، فقال: ما هذا؟ قالت: يا أبا سفّانة؛ أتيتك من عند صبية يتعاوون كالذئاب جوعا، فقال:

  أحضريني⁣(⁣١) / صبيانك، فو اللَّه لأشبعنّهم. قالت: فقمت سريعا فقلت: بماذا يا حاتم! فو اللَّه ما نام صبيانك من الجوع إلَّا بالتعليل⁣(⁣٢) فقال: واللَّه لأشبعنّ صبيانك مع صبيانها.

  فلما جاءت قام إلى فرسه فذبحها، ثم قدح نارا ثم أجّجها، ثم دفع إليها شفرة، فقال: اشتوي وكلي، ثم قال: أيقظي صبيانك. قالت: فأيقظتهم⁣(⁣٣)، ثم قال: واللَّه إنّ هذا للؤم؛ تأكلون وأهل الصّرم⁣(⁣٤) حالهم مثل حالكم! فجعل يأتي الصّرم بيتا بيتا فيقول: انهضوا عليكم بالنار. قال: فاجتمعوا حول تلك الفرس، وتقنّع بكسائه فجلس ناحية، فما أصبحوا ومن الفرس على الأرض قليل ولا كثير إلَّا عظم وحافر، وإنه لأشدّ جوعا منهم، وما ذاقه.

  حاتم ومحرّق

  أتى حاتم ومحرّقا⁣(⁣٥) فقال له محرّق: بايعني، فقال له: إنّ لي أخوين ورائي، فإن يأذنا لي أبايعك وإلَّا فلا، قال: فاذهب إليهما، فإن أطاعاك فأتني بهما، وإن أبيا فأذن بحرب. فلما خرج حاتم قال⁣(⁣٦):

  أتاني من الرّيان⁣(⁣٧) أمس رسالة ... وعدوى وغيّ ما يقول مواسل⁣(⁣٨)

  / هما سألاني: ما فعلت؟ وإنني ... كذلك عما أحدثا أنا سائل

  فقلت: ألا كيف الزمان عليكما؟ ... فقالا: بخير كلّ أرضك سائل

  فقال محرّق: ما أخواه؟ قال⁣(⁣٩): طرفا الجبل، فقال: ومحلوفه لأجلَّلنّ مواسلا الرّيط مصبوغات بالزّيت، ثم لأشعلنّه بالنار. فقال رجل من الناس: جهل مرتقى بين مداخل سبلَّات⁣(⁣١٠). فلما بلغ⁣(⁣١١) ذلك محرقا قال: لأقدمنّ


(١) ف: «أحضري صبيانك»، والخبر في الديوان ٩٧ مع اختلاف في الرواية.

(٢) التعليل: شغل الصغير عن الطعام بشيء.

(٣) ف: «فأيقظتها».

(٤) الصرم: الأبيات المجتمعة المنقطعة عن الناس.

(٥) محرق: لقب عمرو بن هند.

(٦) ديوانه ٥١.

(٧) ب، س: «الديان»، والمثبت من أ، ف والديوان.

(٨) كذا في ف، وفي أ، ج: «وغدوا بحيّ»، والريان ومواسل: جبلان، وقد ذكرهما زيد الخيل في شعره، قال:

أتتمنى لسان لا أسر بذكرها ... تصدع منها يذبل ومواسل

وقد سبق الريان منه بذلة ... فأضحى وأعلى هضبه متضائل

وقد ذكر الريان حاتم في قوله:

لشغب من الريان أملك بابه ... أنادي به آل الكبير وجعفرا

وانظر «ياقوت» و «البكري».

(٩) ف: «قيل».

(١٠) سبلات: جبل من جبال أجأ ومواسل أيضا، عن نصر (البلدان).

(١١) ف: «فبلغ».