كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر مقتل الزبير وخبره

صفحة 299 - الجزء 18

  حكم أو استئثارا بفيء؟ فقالا: لا، ولا واحدة منهما، ولكن الخوف وشدّة الطمع.

  وقال محمد بن خلف في خبره: فقال الزبير: مع الخوف شدّة المطامع، فأتيت عليّا # فأخبرته بما قال الزبير، فدعا بالبغلة فركبها وركبت معه، فدنوا حتى / اختلفت أعناق دابّتيهما فسمعت عليّا ~ يقول: نشدتك اللَّه يا زبير، أتعلم أني كنت أنا وأنت في سقيفة بني فلان تعالجني وأعالجك فمرّ بي - يعني النبيّ - فقال: كأنّك تحبّه! فقلت: وما يمنعني! قال: أما إنه ليقاتلنّك وهو لك ظالم. فقال الزبير: اللهمّ نعم، ذكَّرتني ما نسيت، وولَّى راجعا. ونادى منادي عليّ: ألا لا تقاتلوا القوم حتى يستشهدوا منكم رجلا، فما لبث أن أتي برجل يتشحّط⁣(⁣١) في دمه، فقال عليّ #: اللهمّ اشهد، اللهمّ اشهد، اللهمّ اشهد. وأمر الناس فشدّوا عليهم، وأمر الصّرّاخ فصرخوا: لا تذفّفوا⁣(⁣٢) على جريح ولا تتبعوا مدبرا، ولا تقتلوا أسيرا.

  حدثنا إبراهيم بن عبد اللَّه بن محمد بن أيوب المخزوميّ، عن سعيد بن محمد الجرميّ، عن أبي الأحوص، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ بن حبيش، ولا أحسبه إلا قال:

  كنت قاعدا عند عليّ #، فأتاه آت فقال: هذا ابن جرموز قاتل الزبير بن العوّام يستأذن على الباب، قال: ليدخلنّ قاتل ابن صفيّة النّار، إني سمعت رسول اللَّه يقول: «إن لكلّ نبيّ حواريّ وإنّ حواريّ الزبير».

  أخبرني الطَّوسيّ وحرميّ، عن الزّبير، عن عليّ بن صالح⁣(⁣٣)، عن سالم بن عبد اللَّه بن عروة، عن أبيه: أن عمرا أو عويمر بن جرموز⁣(⁣٤) قاتل الزبير أتى مصعبا حتى وضع يده في يده، فقذفه في السجن، وكتب إلى عبد اللَّه بن الزبير يذكر له أمره، فكتب إليه عبد اللَّه: بئس ما صنعت، أظننت أنّي أقتل أعرابيّا من بني تميم بالزّبير! خلّ سبيله، فخلَّاه.

  عاتكة ترثي الزبير

  أخبرني الطوسيّ والحرميّ، عن الزّبير، عن عمه قال: قتل الزبير وهو ابن / سبع وستين سنة أو ستّ وستين سنة، فقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن / نفيل ترثيه:

  غدر ابن جرموز بفارس بهمة ... يوم اللقاء وكان غير معرّد⁣(⁣٥)

  يا عمرو لو نبّهته لوجدته ... لا طائشا رعش اللسان ولا اليد⁣(⁣٦)

  شلَّت يمينك إن قتلت لمسلما ... حلَّت عليك عقوبة المستشهد⁣(⁣٧)

  إنّ الزّبير لذو بلاء صادق ... سمح سجيّته كريم المشهد

  كم غمرة قد خاضها لم يثنه ... عنها طرادك يا بن فقع القردد⁣(⁣٨)


(١) تشحط في الدم: تضرج به.

(٢) دففه وذف عليه: أجهز عليه.

(٣) في ف: «أخبرني الطوسي الحرمي بن أبي العلاء، قالا: حدثنا الزبير بن بكار».

(٤) ف: «عمرو بن عمير بن جرموز».

(٥) البهمة: الشجاع، ويراد بالهمة هنا الجيش. والمعرد: الهارب المحجم عن قرنه.

(٦) في ف: «السنان». وفي «التجريد»: «البنان». وفي «الطبقات»: ٣ - ٧٩: «رعش الجنان».

(٧) هب، «التجريد»، «الطبقات»: «المتعمد».

(٨) الفقع: نوع من الكمأة، والقردد: المستوى، ويقال للذليل: فقع قرقرة، وفقع القردد. وفي ف: «يا بن نبع القردد». وفي ب: «يوم نقع».