كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر مقتل الزبير وخبره

صفحة 300 - الجزء 18

  فاذهب فما ظفرت يداك بمثله ... فيمن مضى ممن يروح ويغتدي⁣(⁣١)

  وكانت عاتكة قبل الزبير عند عمر، وقبل عمر عند عبد اللَّه بن أبي بكر.

  عبد اللَّه بن أبي بكر وعاتكة

  أخبرني بخبرها محمد بن خلف وكيع، عن أحمد بن عمرو بن بكر، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الهيثم بن عديّ، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وأخبرنا وكيع، قال: حدثني إسماعيل بن مجمّع⁣(⁣٢) عن المدائنيّ.

  وأخبرني الطوسيّ والحرميّ، قالا: حدثنا الزبير، عن عمّه، عن أبيه، وأخبرني اليزيديّ، عن الخليل بن أسد، عن عمرو بن سعيد، عن الوليد بن هشام بن يحيى الغسّانيّ.

  وأخبرني الجوهريّ، عن ابن شبّة، قال: حدثنا محمد بن موسى الهذليّ، وكل / واحد منهم يزيد في الرواية وينقص منها، وقد جمعت رواياتهم قالوا:

  تزوج عبد اللَّه بن أبي بكر الصّدّيق عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت امرأة لها جمال وكمال وتمام في عقلها ومنظرها وجزالة رأيها، وكانت قد غلبته على رأيه فمرّ عليه أبو بكر أبوه وهو في علَّيّة⁣(⁣٣) يناغيها⁣(⁣٤) في يوم جمعة، وأبو بكر متوجه إلى الجمعة، ثم رجع وهو يناغيها، فقال: يا عبد اللَّه أجمّعت⁣(⁣٥)؟ قال: أو صلَّى الناس؟

  قال: نعم - قال: وقد كانت شغلته عن سوق وتجارة كان فيها - فقال له أبو بكر: قد شغلتك عاتكة عن المعاش والتجارة، وقد ألهتك عن فرائض الصلاة⁣(⁣٦) طلَّقها، فطلَّقها تطليقة، وتحولت إلى ناحية⁣(⁣٧)، فبينا أبو بكر يصلَّي على سطح له في الليل إذ سمعه وهو يقول:

  أعاتك لا أنساك ما ذرّ شارق⁣(⁣٨) ... وما ناح قمريّ الحمام المطوّق

  أعاتك قلبي كلّ يوم وليلة ... لديك بما تخفي النفوس معلَّق

  لها خلق جزل ورأي ومنطق ... وخلق مصون في حياء ومصدق⁣(⁣٩)

  فلم أر مثلي طلَّق اليوم مثلها ... ولا مثلها في غير شيء تطلَّق

  فسمع أبو بكر قوله فأشرف عليه وقد رقّ له، فقال: يا عبد اللَّه، راجع عاتكة، فقال: أشهدك أني قد راجعتها.

  وأشرف على غلام له يقال له أيمن، فقال له: يا أيمن، أنت حرّ لوجه اللَّه تعالى، أشهدك أني قد راجعت عاتكة، ثم خرج إليها يجري إلى مؤخّر الدار وهو يقول:


(١) في هب: «فيما مضى ممن يروح ويغتدي». وفي ف: «فيما مضى فيما تروح وتغتدي».

(٢) ف: «محمد».

(٣) العلية «بالضم والكسر»: بيت منفصل عن الأرض.

(٤) في «المختار»: «يداعبها».

(٥) جمع: شهد الجمعة.

(٦) في «التجريد»، بيروت، «المختار»: «فرائض اللَّه تعالى».

(٧) في ف، هب: «ناحية الدار».

(٨) ما ذر شارق: ما طلعت الشمس حين تشرق.

(٩) في «الخزانة» ٤ - ٣٥١: ... ورأي ومنصب ... وخلق سوى في الحياة ومصدق».