كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر مقتل الزبير وخبره

صفحة 301 - الجزء 18

  /

  أعاتك قد طلَّقت في غير ريبة ... وروجعت⁣(⁣١) للأمر الذي هو كائن

  كذلك أمر اللَّه غاد ورائح ... على الناس فيه ألفة وتباين

  وما زال قلبي للتّفرّق طائرا ... وقلبي لما قد قرّب اللَّه ساكن⁣(⁣٢)

  / ليهنك أني لا أرى فيك سخطة ... وأنك قد تمّت عليك المحاسن

  فإنك ممّن زيّن اللَّه وجهه ... وليس لوجه زانه اللَّه شائن

  قال: وأعطاها حديقة له حين راجعها على ألَّا تتزوّج بعده، فلما مات من السهم الذي أصابه بالطائف، أنشأت تقول:

  فللَّه عينا من رأى مثله فتى⁣(⁣٣) ... أكرّ وأحمى في الهياج وأصبرا

  إذا شرعت فيه الأسنّة خاضها ... إلى الموت حتى يترك الرّمح أحمرا

  فأقسمت لا تنفكّ عيني سخينة ... عليك ولا ينفكّ جلدي أغبرا⁣(⁣٤)

  مدى الدّهر ما غنّت حمامة أيكة ... وما طرد الليل الصّباح المنوّرا

  عمر بن الخطاب وعاتكة

  فخطبها عمر بن الخطاب، فقالت: قد كان أعطاني حديقة على ألا أتزوج بعده، قال: فاستفتي، فاستفتت عليّ بن أبي طالب #، فقال: ردّي الحديقة على أهله وتزوّجي. فتزوجت عمر فسرّح⁣(⁣٥) عمر إلى عدّة من أصحاب رسول اللَّه ، فيهم عليّ بن أبي طالب ~ - يعني دعاهم - لما بنى بها، فقال له علي: إنّ لي إلى عاتكة حاجة أريد أن أذكَّرها إياها، فقل لها تستتر حتى أكلَّمها، فقال لها عمر: استتري يا عاتكة فإنّ ابن أبي طالب يريد أن يكلمك، / فأخذت عليها مرطها⁣(⁣٦) فلم يظهر منها إلا ما بدا من براجمها⁣(⁣٧)، فقال:

  يا عاتكة:

  فأقسمت لا تنفكّ عيني سخينة ... عليك ولا ينفكّ جلدي أغبرا⁣(⁣٨)

  فقال له عمر: ما أردت إلى هذا؟ فقال: وما أرادت إلى أن تقول ما لا تفعل؛ وقد قال اللَّه تعالى: {كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ أللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ}⁣(⁣٩) وهذا شيء كان في نفسي أحببت واللَّه أن يخرج. فقال عمر: ما حسّن⁣(⁣١٠) اللَّه فهو حسن، فلما قتل عمر، قالت ترثيه:


(١) في ف: «زوجت».

(٢) في ف، و «المختار»، و «التجريد»: «فقلبي لما قرت به العين ساكن».

(٣) في «التجريد»: «مثل هالك».

(٤) في ف: «أصفرا».

(٥) في «المختار»: «فسير».

(٦) المرط: كساء من صوف أو خزّ.

(٧) البراجم: مفاصل الأصابع إذا قبض الشخص كفه نشزت.

(٨) في ف: «أصفرا».

(٩) الصف ٣.

(١٠) في ب: ما أحسن.