ذكر أخبار دنانير وأخبار عقيد
  إليك خبره، وقد سمعت الوزير يقول: إن الناس يفتنون بغنائهم، فيعجبهم منه ما لا يعجب غيرهم، وكذلك يفتنون بأولادهم، فيحسن في أعينهم منهم ما ليس يحسن، وقد خشيت على الصوت أن يكون كذلك، فقلت: هات، فأخذت عودها وتغنّت تقول.
  صوت
  نفسي أكنت عليك مدّعيا ... أم حين أزمع بينهم خنت!
  إن كنت مولعة بذكرهم ... فعلى فراقهم ألا متّ!
  / قال: فأعجبني واللَّه غاية العجب واستخفّني الطرب، حتى قلت لها: أعيديه، فأعادته وأنا أطلب لها فيه موضعا أصلحه وأغيّره عليها لتأخذه عنّي، فلا واللَّه ما قدرت على ذلك، ثم قلت لها: أعيديه الثالثة فأعادته، فإذا هو كالذهب المصفّى، فقلت: أحسنت يا بنيّة وأصبت، وقد قطعت عليك بحسن إحسانك وجودة إصابتك أنك قائدة للمعلمين(١)؛ إذ قد صرت تحسنين الاختيار وتجيدين الصنعة، قال: ثم خرج فلقيه يحيى بن خالد، فقال: كيف رأيت صنعة ابنتك دنانير؟ قال: أعزّ اللَّه الوزير، / واللَّه ما يحسن كثير من حذّاق المغنّين مثل هذه الصنعة، ولقد قلت لها: أعيديه وأعادته عليّ مرات، كلّ ذلك أريد إعناتها، لأجتلب(٢) لنفسي مدخلا يؤخذ عنّي وينسب إليّ، فلا واللَّه ما وجدته، فقال لي يحيى: وصفك لها يقوم مقام تعليمك إيّاها، وقد - واللَّه - سررتني وسأسرّك، فوجّه إليّ بمال عظيم.
  اشتراها يحيى بن خالد من رجل من أهل المدينة
  وذكر محمد بن الحسن الكاتب، قال: حدّثني ابن المكَّي، قال:
  كانت دنانير لرجل من أهل المدينة، وكان خرّجها وأدّبها، وكانت أروى الناس للغناء القديم، وكانت صفراء صادقة الملاحة، فلما رآها يحيى وقعت بقلبه فاشتراها.
  الرشيد يعجب بها فتعلم أم جعفر وتشكوه إلى عمومته
  وكان الرشيد يسير(٣) إلى منزلة فيسمعها، حتى ألفها واشتد عجبه(٤) بها فوهب لها هبات سنية، منها أنه وهب لها في ليلة عيد عقدا، قيمته ثلاثون ألف دينار، فردّ عليه في مصادرة البرامكة بعد ذلك. وعلمت أمّ جعفر خبره فشكته إلى عمومته، فصاروا جميعا إليه فعاتبوه، فقال: ما لي في هذه الجارية من أرب في نفسها، وإنما أربى في غنائها، فاسمعوها، فإن استحقت أن يؤلف غناؤها وإلا فقولوا ما شئتم، فأقاموا عنده، ونقلهم إلى يحيى حتى سمعوها عنده فعذروه، وعادوا إلى أم جعفر فأشاروا عليها ألا تلحّ في أمرها فقبلت ذلك، وأهدت إلى الرّشيد عشر جوار، منهن: ماردة أم المعتصم، ومراجل أم المأمون، وفاردة(٥) أم صالح.
  وقال هارون بن محمد بن عبد الملك الزيّات: أخبرني محمد بن عبد اللَّه الخزاعيّ قال:
(١) ب، بيروت: «وقد قطعت عليك بحسن إحسانك وجودة إصابتك فائدة المعلمين». وفي ف: «وقد قطعت عنك بحسن اختيارك وجودة إصابتك فائدة المعلمين».
(٢) ف: «لأحتال».
(٣) ف: «يصير».
(٤) ف: «إعجابه».
(٥) في ب: مارية «أم المعتصم». وفي ف: فارد «أم صالح».