ذكر أخبار دنانير وأخبار عقيد
  حدثني عبّاد البشريّ(١) قال: مررت بمنزل من منازل طريق مكَّة يقال له / النّباج، فإذا كتاب(٢) على حائط في المنزل، فقرأته فإذا هو: النّيك أربعة؛ فالأول شهوة، والثاني لذّة، والثالث شفاء، والرابع داء(٣)، وحر إلى أيرين أحوج من أير إلى حرين، وكتبت دنانير مولاة البرامكة بخطَّها.
  أخبرني إسماعيل بن يونس، عن ابن شبّة: أن دنانير أخذت عن إبراهيم الموصليّ حتى كانت تغنّي غناءه، فتحكيه فيه حتى لا يكون بينهما فرق، وكان إبراهيم يقول ليحيى: متى فقدتني ودنانير باقية فما فقدتني.
  دنانير تصاب بالعلة الكلبية
  قال: وأصابتها العلَّة الكلبيّة فكانت لا تصبر عن الأكل ساعة واحدة(٤)، فكان يحيى يتصدّق عنها في كل يوم من شهر رمضان بألف دينار، لأنها كانت لا تصومه، وبقيت عند البرامكة مدة طويلة.
  الرشيد يأمر بصفع دنانير حتى تغني
  أخبرني ابن عمّار، وابن عبد العزيز، وابن يونس، عن ابن شبّه، عن إسحاق:
  وأخبرني جحظة، عن أحمد بن الطَّيّب: أنّ الرشيد دعا بدنانير البرمكيّة بعد قتله إيّاهم، فأمرها أن تغنّي، فقالت: يا أمير المؤمنين، إني آليت ألَّا أغنّي بعد سيّدي أبدا، فغضب، وأمر بصفعها، فصفعت، وأقيمت على رجليها، وأعطيت العود، وأخذته وهي تبكي أحرّ بكاء، واندفعت / فغنّت:
  صوت
  يا دار سلمى بنازح السّند ... بين الثّنايا ومسقط اللَّبد
  لمّا رأيت الدّيار قد درست ... أيقنت أنّ النّعيم لم يعد
  / الغناء للهذليّ خفيف ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى، وذكر عليّ بن يحيى المنجّم وعمرو أنه لسياط في هذه الطريقة.
  قال: فرقّ لها الرشيد وأمر بإطلاقها وانصرفت، ثم التفت إلى إبراهيم بن المهديّ فقال له: كيف رأيتها؟ قال:
  رأيتها تختله برفق، وتقهره بحذق.
  خطبها عقيد فردته وبقيت على حالها إلى أن ماتت
  قال عليّ بن محمد الهشاميّ(٥): حدثني أبو عبد اللَّه بن حمدون أن عقيدا(٦) مولى صالح بن الرشيد خطب دنانير البرمكيّة، وكان هويها وشغف بذكرها، فردّته، واستشفع عليها مولاه صالح بن الرشيد، وبذل، والحسين بن محرز، فلم تجبه وأقامت على الوفاء لمولاها، فكتب إليها عقيد قوله:
(١) ف: «النشوي»، وفي «المختار»: «النسوي».
(٢) الكتاب هنا الكتابة. وفي «المختار»: «وإذا على الحائط مكتوب ما صورته ...».
(٣) ف: «دواء».
(٤) ف: «مرة واحدة».
(٥) في ف، بيروت: «البسامي».
(٦) في ب، «الدر المنثور»: «عقيلا».