أخبار خفاف ونسبه
  كان بدء ما كان بين خفاف بن ندبة والعباس بن مرداس أنّ خفافا كان في ملإ من بني سليم فقال لهم: إن عباس بن مرداس يريد أن يبلغ فينا ما بلغ عباس بن أنس، ويأبى ذلك عليه خصال قعدن به، فقال له فتى من رهط العبّاس: وما تلك الخصال يا خفاف؟ قال: اتّقاؤه بخيله عند الموت، واستهانته بسبايا العرب، وقتله الأسرى، ومكالبته للصعاليك على الأسلاب، ولقد طالت حياته حتى تمنّينا موته، فانطلق الفتى إلى العبّاس فأخبره الخبر، فقال العبّاس: يا بن أخي، إن لم يكن كالأصمّ في فضله فلست كخفاف في جهله، وقد مضى الأصمّ بما في أمس وخلَّفني بما في غد، فلما أمسى تغنّى، وقال:
  خفاف ما تزال تجرّ ذيلا ... إلى الأمر المفارق للرّشاد
  إذا ما عاينتك بنو سليم ... ثنيت لهم بداهية نآد(١)
  / وقد علم المعاشر من سليم ... بأنّى فيهم حسن الأيادي
  فأورد يا خفاف فقد بليتم ... بني عوف بحيّة بطن وادي
  قال: ثم أصبح فأتى خفافا. وهو في ملإ من بني سليم، فقال: قد بلغني مقالتك يا خفاف، واللَّه لا أشتم عرضك ولا أسبّ أباك وأمّك، ولكنّي رام سوادك بما فيك(٢) وإنك لتعلم أنّي أحمي المصافّ(٣) وأتكرّم على السّلب(٤) وأطلق الأسير وأصون السبيّة. وأما زعمك أني أتّقي بخيلي الموت فهات من قومك رجلا اتّقيت به.
  وأما استهانتي بسبايا العرب فإني أحذو القوم في نسائهم بفعالهم في نسائنا، وأما قتلي الأسرى فإني قتلت الزّبيديّ بخالك؛ إذ عجزت عن ثأرك. وأما مكالبتي الصعاليك على الأسلاب، فو اللَّه ما أتيت على مسلوب قطَّ إلا لمت سالبه. وأما تمنّيك موتي. فإن متّ قبلك فأغن غنائي، وإن سليما لتعلم أني أخفّ عليهم مؤونة، وأثقل على عدوّهم وطأة منك، وإنّك لتعلم أنّي أبحت حمى بني زبيد، وكسرت قرني الحارث(٥) وأطفأت جمرة خثعم، وقلَّدت بني كنانة قلائد العار، ثم انصرف. فقال خفاف أبياتا لم يحفظ الشيخ منها إلا قوله:
  ولم تقتل أسيرك من زبيد ... بخالي بل غدرت بمستفاد
  فزندك في سليم شرّ زند ... وزادك في سليم شرّ زاد
  فأجابه العباس بقوله:
  ألا من مبلغ عنّي خفافا ... فإنّي لا أحاشي من خفاف
  نكحت وليدة ورضعت أخرى ... وكان أبوك تحمله قطاف
  / فلست لحاصن إن لم نزرها ... تثير النّقع من ظهر النّعاف(٦)
  سراعا قد طواها الأين دهما ... وكمتا لونها كالورس صاف(٧)
(١) نآد: شديدة.
(٢) السواد: الشخص. وفي ب: «ولكن رمى سوادك بما فيك».
(٣) المصافّ: مواقف القتال.
(٤) في ب، بيروت: «وأتكلم على السبي».
(٥) في ب، هب: «وكسرت قوى بني الحارث».
(٦) في ف: «فلست بحاضن إن لم تروها». والحاصن: العفيفة. والنعاف: جمع نعف؛ وهو المكان المرتفع في اعتراض.
(٧) في ف، «المختار»، هب: سواهم بدل سراعا، ودهم وكمت «بالرفع».