كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار خفاف ونسبه

صفحة 312 - الجزء 18

  ابن عم للعباس يحرضه على الحرب

  قال: ثم كف العباس وخفاف حتى أتى ابن عم للعباس يكنى أبا عمرو بن بدر، وكان غائبا، فقال: يا عباس! ما نقول فيك خيرا إلَّا وهو باطل، قال: وكيف ذلك، ويحك! قال: أخبرني عنك، أكلّ الذي أقررت⁣(⁣١) به من خفاف في نفيه أباك وتهجينه عرضك؛ ليأس من نصر قومك أو ضعف من نفسك؟ قال: لا، ولا واحدة منهما، ولكني أحببت البقيا، قال: فاسمع ما قلته، قال: هات، فأنشأ يقول:

  أرى العباس ينفض مذرويه⁣(⁣٢) ... دهين الرأس تقليه النساء

  وقد أزرى بوالده خفاف ... ويحسب مثله الداء العياء⁣(⁣٣)

  فلا تهد السّباب إلى خفاف ... فإن السّبّ تحسنه الإماء

  ولا تكذب وأهد إليه حربا ... معجّلة فإن الحرب داء

  أذلّ اللَّه شرّكما قبيلا ... ولا سقّت له رسما سماء

  العباس وخفاف يلتقيان بقومهما ويقتتلان قتالا شديدا

  قال العباس: قد آذنت خفافا بحرب، ثم أصبحا فالتقيا بقومهما، فاقتتلوا قتالا شديدا يوما إلى الليل، وكان الفضل للعباس على خفاف، فركب إليه مالك بن عوف ودريد بن الصّمّة الجشميّ في وجوه هوازن، فقام دريد خطيبا فقال: يا معشر بني سليم، إنه أعجلني إليكم صدر واد ورأي جامع، وقد ركب صاحباكم شرّ مطيّة، وأوضعا / إلى أصعب غاية، فالآن قبل أن يندم الغالب ويذلّ المغلوب⁣(⁣٤)، ثم جلس.

  دريد بن الصمة ومالك بن عوف يحذرانهما عاقبة الحرب

  فقام مالك بن عوف⁣(⁣٥) فقال: يا معشر بني سليم، إنكم نزلتم منزلا بعدت فيه هوازن، وشبعت منكم فيه بنو تميم، وصالت عليكم فيه بكر بن وائل، ونالت فيه منكم بنو كنانة، فانزعوا وفيكم بقية قبل أن تلقوا عدوّكم بقرن أعضب وكفّ جذماء، قال: فلما أمسينا تغنى دريد بن الصّمّة فقال:

  سليم بن منصور ألمّا تخبّروا ... بما كان من حربي كليب وداحس

  وما كان في حرب اليحابر⁣(⁣٦) من دم ... مباح وجدع مؤلم للمعاطس

  وما كان في حربي سليم وقبلهم ... بحرب بعاث من هلاك الفوارس

  تسافهت الأحلام فيها جهالة ... وأضرم فيها كلّ رطب ويابس

  فكفّوا خفافا عن سفاهة رأيه ... وصاحبه العبّاس قبل الدّهارس⁣(⁣٧)


(١) في ب: «خبرني عن أصل الذي أقررت به ... الخ».

(٢) المذروان: طرفا الإلية. وجاء ينفض مذرويه: جاء باغيا يتهدد.

(٣) في هب: «سبك مثله الداء العياء». وفي «المختار»: «ولكن نسله الداء العياء».

(٤) في ب: «ويذم المطلوب».

(٥) في ب: «مالك بن أوس».

(٦) في ب: «البحائر»، تحريف.

(٧) الدهارس: الدواهي.