أخبار خفاف ونسبه
  قال: فلما طال الأمر بينهما من الحرب والتّهاجي، قال عباس: إني واللَّه ما رأيت لخفاف مثلا إلا شبام بني زبيد(١) فإنه كان يلقى من ابن عمه ثروان بن مرّة من الشتم والأذى ما ألقى من خفاف، فلما لجّ في شتمه تركه وما هو فيه، فقال:
  وهبت لثروان بن مرّة نفسه ... وقد أمكنتني من ذؤابته يدي
  وأحمل ما في اليوم من سوء رأيه ... رجاء التي يأتي بها اللَّه في غد(٢)
  فقال خفاف: إني واللَّه ما وجدت لعباس مثلا إلا ثروان بني زبيد، فإنه كان يلقي من شبام ما ألقى من العباس من الأذى، فقال ثروان:
  رأيت شباما لا يزال يعيبني ... فلله ما بالي وبال شبام!
  فقصرك منّي ضربة مازنيّة ... بكفّ فتى في القوم غير كهام
  فتقصر عني يا شبام بن مالك ... وما عضّ سيفي شاتمي بحرام
  فقال عباس: جزاك اللَّه عني يا خفاف شرّا، فقد كنت أخفّ بني سليم من دمائها ظهرا، وأخمصها بطنا، فأصبحت العرب تعيّرني بما كنت أعيب عليها من / الاحتمال وأكل الأموال، وصرت ثقيل الظَّهر من دمائها منفضج(٣) البطن من أموالها، وأنشأ يقول:
  /
  ألم تر أنّي تركت الحروب ... وأنّي ندمت على ما مضى
  ندامة زار على نفسه ... لتلك التي عارها يتّقى
  فلم أوقد الحرب حتى رمى ... خفاف بأسهمه من رمى
  فإن تعطف القوم أحلامهم ... فيرجع من ودّهم ما نأى
  فلست فقيرا إلى حربهم ... وما بي عن سلمهم من غنى
  فقال خفاف:
  أعبّاس إمّا كرهت الحروب ... فقد ذقت من عضّها ما كفى
  أألقحت حربا لها شدّة ... زمانا تسعّرها باللَّظى
  فلمّا ترقّيت في غيّها ... دحضت وزلّ بك المرتقى
  فلا زلت تبكي على زلَّة ... وماذا يردّ عليك البكا
  فإن كنت أخطأت في حربنا ... فلسنا نقيلك هذا الخطا
  وإن كنت تطمع في سلمنا ... فزاول ثبيرا وركني حرا
  أخبرني حبيب بن نصر المهلبيّ قال: حدثنا عبد اللَّه بن أبي سعد، قال: حدّثني مسعود بن عيسى العبديّ، عن يحيى بن عبد اللَّه بن الفضل الفزاريّ، وكان علَّامة بأمر قيس، قال:
  كان خفاف بن ندبة في جماعة من قومه، فقال: إنّ عباس بن مرداس ليريد أن / يبلغ فينا مبلغ عباس بن
(١) في ب: «شبام بن زبيد».
(٢) في ف: «رجاء الذي يأتي به اللَّه في غد».
(٣) في هب: «منفضخ البطن». ومنفضج البطن: منتفخه.