أخبار جبهاء ونسبه
  قدم جبيهاء الأشجعيّ المدينة بجلوبة له، فبينا هو يبيعها والفرزدق يومئذ بالمدينة إذ مرّ به، فقال له: ممن أنت؟ قال: من أشجع، قال: أتعرف شاعرا منكم يقال له جبهاء أو جبيهاء؟ قال: نعم، قال: أتروي قصيدته:
  ألا لا أبالي بعد ريّا أوافقت ... نوانا نوى الجيران أم لم توافق
  قال: نعم. قال: أنشدنيها، فأنشده إيّاها، فقال الفرزدق: أقسم باللَّه إنّك لجبيهاء، أو إنك لشيطانه.
  هجرته إلى المدينة
  أخبرني الحرميّ قال: حدثنا الزّبير، قال: حدثني عمّي، عن سليمان بن عيّاش، قال:
  قالت زوجة جبهاء الأشجعيّ له: لو هاجرت بنا إلى المدينة وبعت إبلك وافترضت في العطاء كان خيرا لك، قال: أفعل. فأقبل بها وبإبله حتى إذا كان بحرّة وأقم من شرقيّ المدينة، شرّعها بحوض وأقم ليسقيها(١)، فحنّت ناقة منها ثم نزعت، / وتبعتها الإبل، وطلبها ففاتته، فقال لزوجته: هذه إبل لا تعقل، تحنّ إلى أوطانها، ونحن أحقّ بالحنين منها، أنت طالق إن لم ترجعي، وفعل اللَّه بك وفعل وردّها وقال:
  قالت أنيسة دع بلادك والتمس ... دارا بطيبة ربّة الآطام
  تكتب عيالك في العطاء وتفترض ... وكذاك يفعل حازم الأقوام
  فهممت ثم ذكرت ليل لقاحنا ... بلوى عنيزة(٢) أو بقفّ بشام
  إذ هنّ عن حسبي مذاود كلَّما ... نزل الظلام بعصبة أغتام(٣)
  إن المدينة لا مدينة فالزمي ... حقف السّناد وقبّة الأرجام(٤)
  يحلب(٥) لك اللَّبن الغريض وينتزع ... بالعيس من يمن إليك وشام
  وتجاوري النفر الذين بنبلهم(٦) ... أرمي العدوّ إذا نهضت أرامي
  الباذلين إذا طلبت تلادهم(٧) ... والمانعي ظهري من الغرّام
  مجاورته في بني تيم
  أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدّثني أحمد بن زهير، قال: حدّثني مصعب قال: جاور جبهاء الأشجعيّ في بني تيم، بطن من أشجع، فاستمنحه مولى لهم عنزا، فمنحه / إيّاها فأمسكها دهرا، فلما طال على جبهاء ألَّا يردّها(٨)، قال جبهاء:
  أمولى بني تيم ألست مؤدّيا ... منيحتنا فيما تردّ المنائح(٩)
(١) شرعها: أوردها الماء. وأقم: أطم من آطام المدينة.، وحرة وأقم إلى جانبه.
(٢) اللوى: ما التف من الرمل. والقف: ما ارتفع من الأرض. وعنيزة وبشام: موضعان. وفي ب: «بذوي عنيزة»، تحريف.
(٣) الأغتام: الذين لا يفصحون.
(٤) في ب: الأرحام.
(٥) في ب: يجلب.
(٦) في ف: «بنيلهم»، تصحيف.
(٧) في ب: «بلادهم»، تصحيف.
(٨) ب، هب: ما لا يردها.
(٩) المنائح: الهبات.