كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر الحطيئة ونسبه

صفحة 458 - الجزء 2

  أبلغوا أهل ضابئ⁣(⁣١) أنه شاعر حيث يقول:

  لكلّ جديد لذّة غير أنّني ... رأيت جديد الموت غير لذيذ

  قالوا: أوص ويحك بما ينفعك! قال: أبلغوا أهل امريء القيس أنه أشعر العرب حيث يقول:

  فيا لك من ليل كأنّ نجومه ... بكلّ مغار الفتل شدّت بيذبل⁣(⁣٢)

  قالوا: اتّق اللَّه ودع عنك هذا؛ قال: أبلغوا الأنصار أنّ صاحبهم أشعر العرب حيث يقول:

  يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم ... لا يسألون عن السّواد المقبل

  قالوا: هذا لا يغّني عنك شيئا، فقل غير ما أنت فيه؛ فقال:

  الشّعر صعب وطويل سلَّمه ... إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه

  زلَّت به إلى الحضيض قدمه ... يريد أن يعربه فيعجمه⁣(⁣٣)

  قالوا: هذا مثل الذي كنت فيه؛ فقال:

  قد كنت أحيانا شديد المعتمد ... وكنت ذا غرب⁣(⁣٤) على الخصم ألدّ

  فوردت⁣(⁣٥) نفسي وما كادت⁣(⁣٦) ترد

  / قالوا: يا أبا ملكية، ألك حاجة؟ قال: لا واللَّه، ولكن أجزع على المديح الجيّد يمدح به من ليس له أهلا.

  قالوا: فمن أشعر الناس؟ فأومأ بيده إلى فيه وقال: هذا الحجير إذا طمع في خير (يعني فمه) واستعبر باكيا؛ فقالوا له: قل لا إله إلا اللَّه؛ فقال:

  قالت وفيها حيدة⁣(⁣٧) وذعر ... عوذ بربّي منكم وحجر⁣(⁣٨)

  فقالوا له: ما تقول في عبيدك وإمائك؟ فقال: هم عبيد قنّ ما عاقب الليل النهار؛ قالوا: فأوص للفقراء بشيء؛ قال: أوصيهم بالإلحاح في المسئلة فإنها تجارة لا تبور، واست⁣(⁣٩) المسؤول أضيق.

  قالوا: فما تقول في مالك؟ قال: للأنثى من ولدي مثل⁣(⁣١٠) حظَّ الذكر؛ قالوا: ليس هكذا قضى اللَّه جلّ وعزّ لهنّ؛ قال: لكنّي هكذا قضيت.


(١) هو ضابيء بن الحارث البرجميّ ثم اليربوعيّ الشاعر من بني تميم.

(٢) مغار الفتل: محكمة، وهو اسم مفعول من أغار الحبل إغارة وغارة: شدّ فتلة. ويذبل: جبل لباهلة.

(٣) الفاء هنا للاستئناف، والمعنى فإذا هو يعجمه ولا يصح نصبه عطفا على قوله يعر به لأنه لا يريد إعجامه.

(٤) الغرب: الحدّ ومنه غرب السيف: حدّه.

(٥) وردت: أشرفت، يقال: ورد فلان بلد كذا وماء كذا إذا أشرف عليه وأن لم يدخله. ولعله يريد من الورود الإشراف على الموت.

(٦) كذا في أغلب النسخ. وفي أ، م، ط: «كانت» بالنون.

(٧) حيدة: من حاد عن الشيء إذا صدّ عنه أو نفر خوفا منه.

(٨) حجر، أي دفع ومنع، والعرب تقول عند الأمر تنكره: حجرا له بالضم، أي دفعا. قاله صاحب «اللسان» واستشهد عليه بالبيت.

(٩) هذا كناية عن العجز، يقال للرجل يستضعف: استك أضيق من أن تفعل كذا، ويقال للجماعة: أنتم أضيق أستاها من أن تفعلوا كذا.

انظر «اللسان» و «تاج العروس» مادة «سته».

(١٠) في ب، س، ء، ط: «مثلا».