خبر الحطيئة ونسبه
  أبلغوا أهل ضابئ(١) أنه شاعر حيث يقول:
  لكلّ جديد لذّة غير أنّني ... رأيت جديد الموت غير لذيذ
  قالوا: أوص ويحك بما ينفعك! قال: أبلغوا أهل امريء القيس أنه أشعر العرب حيث يقول:
  فيا لك من ليل كأنّ نجومه ... بكلّ مغار الفتل شدّت بيذبل(٢)
  قالوا: اتّق اللَّه ودع عنك هذا؛ قال: أبلغوا الأنصار أنّ صاحبهم أشعر العرب حيث يقول:
  يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم ... لا يسألون عن السّواد المقبل
  قالوا: هذا لا يغّني عنك شيئا، فقل غير ما أنت فيه؛ فقال:
  الشّعر صعب وطويل سلَّمه ... إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
  زلَّت به إلى الحضيض قدمه ... يريد أن يعربه فيعجمه(٣)
  قالوا: هذا مثل الذي كنت فيه؛ فقال:
  قد كنت أحيانا شديد المعتمد ... وكنت ذا غرب(٤) على الخصم ألدّ
  فوردت(٥) نفسي وما كادت(٦) ترد
  / قالوا: يا أبا ملكية، ألك حاجة؟ قال: لا واللَّه، ولكن أجزع على المديح الجيّد يمدح به من ليس له أهلا.
  قالوا: فمن أشعر الناس؟ فأومأ بيده إلى فيه وقال: هذا الحجير إذا طمع في خير (يعني فمه) واستعبر باكيا؛ فقالوا له: قل لا إله إلا اللَّه؛ فقال:
  قالت وفيها حيدة(٧) وذعر ... عوذ بربّي منكم وحجر(٨)
  فقالوا له: ما تقول في عبيدك وإمائك؟ فقال: هم عبيد قنّ ما عاقب الليل النهار؛ قالوا: فأوص للفقراء بشيء؛ قال: أوصيهم بالإلحاح في المسئلة فإنها تجارة لا تبور، واست(٩) المسؤول أضيق.
  قالوا: فما تقول في مالك؟ قال: للأنثى من ولدي مثل(١٠) حظَّ الذكر؛ قالوا: ليس هكذا قضى اللَّه جلّ وعزّ لهنّ؛ قال: لكنّي هكذا قضيت.
(١) هو ضابيء بن الحارث البرجميّ ثم اليربوعيّ الشاعر من بني تميم.
(٢) مغار الفتل: محكمة، وهو اسم مفعول من أغار الحبل إغارة وغارة: شدّ فتلة. ويذبل: جبل لباهلة.
(٣) الفاء هنا للاستئناف، والمعنى فإذا هو يعجمه ولا يصح نصبه عطفا على قوله يعر به لأنه لا يريد إعجامه.
(٤) الغرب: الحدّ ومنه غرب السيف: حدّه.
(٥) وردت: أشرفت، يقال: ورد فلان بلد كذا وماء كذا إذا أشرف عليه وأن لم يدخله. ولعله يريد من الورود الإشراف على الموت.
(٦) كذا في أغلب النسخ. وفي أ، م، ط: «كانت» بالنون.
(٧) حيدة: من حاد عن الشيء إذا صدّ عنه أو نفر خوفا منه.
(٨) حجر، أي دفع ومنع، والعرب تقول عند الأمر تنكره: حجرا له بالضم، أي دفعا. قاله صاحب «اللسان» واستشهد عليه بالبيت.
(٩) هذا كناية عن العجز، يقال للرجل يستضعف: استك أضيق من أن تفعل كذا، ويقال للجماعة: أنتم أضيق أستاها من أن تفعلوا كذا.
انظر «اللسان» و «تاج العروس» مادة «سته».
(١٠) في ب، س، ء، ط: «مثلا».