كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار سعيد بن حميد ونسبه

صفحة 360 - الجزء 18

  دخل سعيد بن حميد يوما على أبي العبّاس بن ثوابة، وكان أبو العبّاس يعاتبه على الشّغف بالغلمان المرد، فرأى على رأسه غلاما أمرد حسن الوجه، عليه منطقة وثياب حسان، فقال له: يا أبا العبّاس:

  أزعمت أنّك لا تلوط فقل لنا ... هذا المقرطق⁣(⁣١) قائما ما يصنع!

  شهدت ملاحته عليك بريبة ... وعلى المريب شواهد لا تدفع

  فضحك أبو العبّاس وقال: خذه، لا بورك لك فيه حتى نستريح من عتبك.

  حيلة له مع غلام من أولاد الموالي وشعره في ذلك

  أخبرني عمّي، |، قال: قال لي محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات الكاتب: كان سعيد بن حميد يهوى غلاما له من أولاد الموالي، فغاب عنه مدّة، ثم جاءه مسلَّما، فقال له: غبت عنّي هذه المدة ثم تجيئني فلا تقيم عندي! فقال له: قد أمسينا، فقال: تبيت، قال: لا واللَّه لا أقدر، ولم يزل به حتى اتّفقا على أنّه إذا سمع أذان العتمة⁣(⁣٢) انصرف، فقال له: قد رضيت. ووضع النّبيذ، فجعل سعيد يحثّ السّقي⁣(⁣٣) بالأرطال، فلما قرب وقت العتمة، أخذ رقعة فكتب فيها إلى إمام المسجد وهو مؤذّنه قوله:

  قل لداعي الفراق⁣(⁣٤) أخّر قليلا ... قد قضينا حقّ الصّلاة طويلا

  أخّر الوقت في الأذان⁣(⁣٥) وقدّم ... بعدها الوقت بكرة وأصيلا

  / ليس في ساعة تؤخّرها وز ... ر فنحيا بها وتأتي جميلا⁣(⁣٦)

  فتراعى حقّ الفتوّة فينا ... وتعافى من أن تكون ثقيلا⁣(⁣٧)

  فلما قرأ المؤذّن الرّقعة ضحك وكتب إليه يحلف أنه لا يؤذّن ليلته تلك العتمة، وجعل الفتى ينتظر الأذان حتى أمسى وسمع صوت الحارث، فعلم أنّها حيلة وقعت عليه وبات في موضعه، وقال سعيد في ذلك:

  عرّضت بالحبّ له وعرّضا ... حتى طوى قلبي على جمر الغضى

  وأظهرت نفسي عن الدّهر الرّضا ... ثم جفاني وتولَّى معرضا

  لم ينقض الحبّ بلى⁣(⁣٨) صبري انقضى ... فداك من ذاق⁣(⁣٩) الكرى أو غمّضا

  حتى طرقت فنسيت ما مضى ... سألته حويجة⁣(⁣١٠) فأعرضا

  وقال: لا، قول مجيب برضا ... فكان ما كان وكابرنا القضا


(١) قرطقه: ألبسه القرطق؛ وهو قباء ذو طاق واحد فهو مقرطق.

(٢) العتمة: وقت صلاة العشاء الآخرة.

(٣) في «المختار»: السعي بالأرطال.

(٤) في هب، «المختار»: الصلاة.

(٥) في «التجريد»: في الصلاة.

(٦) البيت من «المختار» و «التجريد»، ولم يرد في ف، ب، هب.

(٧) في «التجريد»، ف: «حق المودة» بدل: «حق الفتوة».

(٨) في ب: على.

(٩) في هب:

«فذاك من ذاق ...»

وفي «المختار»:

«فذاق من ذاق»

(١٠) في «المختار»: حوائجا.